أيمن سمير

تخرج روسيا من خانة الحليف الاستراتيجي إلى «تهديد رئيسي»

تؤكد مجدداً استراتيجية الباب المفتوح وحرية الدول في اختيار تحالفاتها

خطورة التقارب الصيني الروسي على ما يسميه الحلف «القيم الغربية»

الصين ليست خصماً ومن المهم معالجة قضايا مثل الحد من التسلح

يستعد حلف شمال الأطلسي (الناتو)، الذي تأسس في 4 أبريل 1949 لبدء مرحلة جديدة من تاريخه، عندما يجتمع قادة 30 دولة، يشكلون مجموع أعضاء الحلف، هذا الشهر في العاصمة الإسبانية مدريد. يحضر الرئيس الأمريكي جو بايدن، والهدف الأول لهذه القمة هو وضع استراتيجية جديدة تختلف عن آخر استراتيجية اعتمدها الحلف في 2010، بحسب الأمين العام للحلف، النرويجي ينس ستولتنبرغ، الذي زار واشنطن في الثاني من هذا الشهر، ووضع اللمسات الأخيرة على هذه الاستراتيجية الجديدة مع البيت الأبيض، التي سوف ترسم خارطة طريق جديدة للناتو خلال العقد المقبل، وفق ستولتنبرغ.

وقبل أن يعلن الحلف خططه الجديدة، يواجه الناتو سلسلة من التحديات والأخطار لعل أبرزها الخلافات التي تستمر بين أعضائه، ليس فقط بسبب تباين المواقف حيال التعامل العسكري مع روسيا وحجم وطبيعة الدعم لأوكرانيا، لكن أيضاً هناك خلافات تتعلق بالنزاع اليوناني - التركي حول جزر الحوض الشرقي لبحر إيجة، وإعلان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وقف جميع الاتصالات مع أثينا، التي استمرت نحو 20 عاماً وجرت خلالها نحو 70 جولة من المحادثات الاستكشافية، كما يواجه الحلف مشكلة رفض تركيا -التي لها ثاني أكبر جيش في الناتو - انضمام السويد وفنلندا للناتو بسبب الاتهامات التركية باستضافة عناصر داعمة لحزب العمال الكردستاني، وكذا رفض البلدين توريد السلاح لتركيا منذ عام 2019 عندما بدأت العملية التركية في شمال شرق سوريا، وكلها خلافات تعطل على الأقل سعي بعض أعضاء الناتو، وفي مقدمتهم واشنطن ولندن لتسريع وتيرة دخول ستوكهولم وهلسنكي إلى مظلة الناتو، فما تفاصيل استراتيجية الناتو الجديدة؟ وكيف ستتفاعل معها الصين وروسيا وهما المستهدفتان من هذه الاستراتيجية الجديدة؟ وما فرص الحلف للتغلب على خلافاته الداخلية؟ وهل فعلاً نحن أمام موجة جديدة وسريعة من توسيع الحلف؟

خريطة طريق جديدة

يعود اختيار إسبانيا كمكان لانعقاد قمة الناتو، إلى أن هذا الشهر يتزامن مع مرور 40 عاماً على دخول إسبانيا الحلف في يونيو 1982، كما أن الحلف الذي بصدد مناقشة انضمام فنلندا والسويد يريد أن يذكر أعضاءه بقمة الحلف التاريخية في مدريد 1997، والتي أطلقت المفاوضات آنذاك حول عضوية المجر وبولندا والتشيك، وهي القمة التي كانت بداية لوضع سياسة الباب المفتوح لحلف الناتو، وتوسع الاتحاد الأوروبي في جميع أنحاء أوروبا، بحسب بيان للناتو.ورغم عدم الإعلان رسمياً عن استراتيجية الحلف الجديدة التي يطلق عليها المفهوم الاستراتيجي للناتو، فإن هناك خطوطاً عريضة يمكن أن تشكل البنيان الرئيسي لهذه الاستراتيجية التي تحتل مكانة مهمة بعد ميثاق التأسيس الحلف، ومن هذه المحاور: أولاً: لن تعتبر الخطة الجديدة روسيا شريكاً استراتيجياً للناتو، وهذا يختلف عن الاستراتيجية التي وضعها الحلف عام 1999، وأطلق عليها «الناتو وروسيا» التي كانت ممراً لدخول 15 دولة الحلف منذ عام 1999 وحتى انضمام مقدونيا الشمالية عام 2020، وفي الاستراتيجية الحالية توصف روسيا بأنها «شريك استراتيجي»، وفق تصريحات الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، لموقع «كابيتال اليوناني»، ولهذا سوف يتم استبعاد روسيا من هذه المكانة التي ظلت تمثل طوال أكثر من عقدين جسراً للتقارب والتفاهم بين الأوروبيين وروسيا، ونجحت في منع اندلاع الحروب خلال سنوات ما بعد الحرب الباردة، وانهيار الاتحاد السوفيتي السابق، لكن الأكثر من ذلك أن الاستراتيجية الجديدة سوف تعلن روسيا بوصفها «التهديد الرئيسي للناتو»، وفق المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي، جوليان سميث، التي قالت إن «تطوير المفهوم الاستراتيجي لم يكتمل بعد.. لكني أعتقد أننا متفقون بشكل عام على أن روسيا هي التحدي الأساسي والتهديد الأساسي الذي يوجهه الناتو حالياً... هذه هي الأولوية رقم واحد للناتو، وستبقى كذلك في المستقبل المنظور، لأن الناتو كان في حالة انتقالية حتى قبل أن تطلق روسيا عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، وكان يعمل على تعزيز الردع والدفاع».

استراتيجية الباب المفتوح

ثانياً: سوف يؤكد الحلف من جديد استراتيجية الباب المفتوح وحرية الدول في اختيار تحالفاتها، وهو ما يصطدم بشكل مباشر مع روسيا التي ترفض مزيداً من الاقتراب نحو حدودها الغربية، وسوف ينعكس هذا البند على مزيد من التوتر مع روسيا، بل يراه البعض نوعاً من التحريض الغربي لأوكرانيا بعدم القبول بالمقترح الروسي الرئيسي لحل الأزمة، وهو أن تكون أوكرانيا على الحياد، كما أن هذا الإصرار من الناتو على مزيد من التوسع قد يشجع دولاً أخرى لطلب الانضمام إلى الحلف مثل جورجيا ومولدوفا، بحسب وكالة نوفوستي الروسية. وتقوم حسابات الناتو على أنه لم يعد ملتزماً باتفاقية عام 1997 التي اتفق فيها الحلف مع روسيا على عدم التوسع شرقاً، وعدم نشر قوات في أوروبا الشرقية، وفق ما قاله نائب الأمين العام للحلف، ميرتشيا جيوانا، الذي قال إن «مهاجمة روسيا لأوكرانيا أفرغت القانون التأسيسي للعلاقات المشتركة والتعاون والأمن بين روسيا والناتو من مضمونه، اتخذوا تعهدات بعدم الاعتداء على الجيران، وهو ما يفعلونه الآن، وأيضاً بإجراء مشاورات منتظمة مع الناتو، وهو ما لا يفعلونه، أعتقد أن هذا القانون التأسيسي هو - مبدئياً - معطل بسبب روسيا، لأن روسيا ابتعدت فعلياً عن شروط اتفاقية عام 1997، الآن لا قيود على أن يكون لدينا تواجد قوي في الجناح الشرقي، وضمان أن كل بوصة من أراضي الناتو محمية بموجب البند الخامس».

الردع ثم الردع

ثالثاً: سوف تعمل الاستراتيجية الجديدة على إعادة ضبط استراتيجية الردع حتى يكون الحلف أكثر مرونة وتكيفاً في عالم أكثر خطورة، وفق وزارة الخارجية الإسبانية، وأن نجاح الناتو يعتمد على قدرته على التغيير في عالم متغير، من خلال تعزيز الموقف العسكري للحلف ضد روسيا، بحسب بيان صادر عن الناتو. وقرر الحلف في 23 مارس الماضي نشر 4 مجموعات قتالية في بلغاريا ورومانيا وسلوفاكيا والمجر، لتضاف إلى 4 مجموعات قتالية أخرى جرى نشرها منذ عام 2017 في دول بحر البلطيق الثلاث ليتوانيا وإستونيا ولاتفيا، كما زاد من عدد القوات الأمريكية في أوروبا إلى نحو 100 ألف جندي، وفق نائبة وزير الدفاع الأمريكية، كاثلين هيكس. وفي إطار دعم سياسة الردع، تجاوزت دول الحلف نسبة 2% من الناتج القومي للإنفاق على الدفاع، وهو الهدف الذي اتفق عليه الحلف في قمة ويلز عام 2014، وأصبح الإنفاق الألماني العسكري نموذجاً في الطفرة على الإنفاق العسكري بعد موافقة الحكومة الألمانية على إنفاق 100 مليار دولار لتحديث الجيش، كما ستزيد هولندا ميزانيتها الدفاعية بنحو 5 مليارات يورو، بينما أعلنت الدانمارك زيادة المخصصات المالية للشؤون الدفاعية بنحو مليار يورو، وبدأت غالبية الجيوش الأوروبية التعاقد على الأسلحة الجديدة، منها تعاقد ألمانيا على شراء 35 طائرة إف 35 من شركة لوكهيد مارتن الأمريكية، و25 طائرة من طراز يورو فايتر، بحسب وزيرة الدفاع الألمانية، كريستينه لامبريشت، التي قالت إن التدريب المستمر ونشر الجنود وشراء العتاد الحديث، هي ثلاثية الناتو لردع الأخطار.

رابعاً: سوف يتضمن المفهوم الاستراتيجي للحلف الإشارة إلى التقارب الروسي الصيني، خاصة بعد تحليق القاذفات الروسية والصينية معاً أثناء قمة الكواد الشهر الماضي في طوكيو، وبعد أن وصفت قمة الحلف في عام 2021 الصين بأنها «تهديد للنظام القائم على القواعد» فإن الاستراتيجية الجديدة سوف تشير إلى خطورة التقارب الصيني الروسي على ما يسميه الحلف «القيم الغربية»، ويتحدث الناتو كثيراً عما جاء في البيان المشترك الصادر عن الرئيسين الروسي فلاديمير بوتين، والصيني شي جين بينغ، في 4 فبراير الماضي، والذي أكد أن الصداقة بين البلدين «ليس لها حدود» وأن تعاونهما لا توجد فيه مجالات محظورة، وفق ما جاء في تصريحات المندوبة الدائمة للولايات المتحدة لدى حلف شمال الأطلسي، جوليان سميث، والتي أكدت أن الصين سوف تظهر في «وثيقة الناتو الجديدة» من هذا المنطلق؛ «لأن سياساتها القسرية تتحدى مصالحنا وأمننا وقيمنا، وانضمت إلى روسيا في التنافس علناً على حق كل دولة في اختيار طريقها الخاص، ولكل ذلك ينبغي أن تذكر الصين في المفهوم الاستراتيجي المقبل».

أخبار ذات صلة

زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف
الصين تحتاط لفساد أقارب المسؤولين بتوسيع قواعد حكومية


إقرأ أيضاً..على الحياد.. سويسرا ترفض نقل أسلحة ومدرعات إلى أوكرانيا

الصين ليست خصماً

وبالرغم من استعداد الحلف للإشارة إلى الصين في وثيقته الجديدة، وتأكيد الناتو أكثر من مرة أن صعود الصين له تداعيات على أمريكا الشمالية وأوروبا، وأن الصين باتت لديها الآن ثاني أكبر ميزانية دفاعية في العالم، وتستثمر بكثافة في أسلحة نووية متقدمة يمكن أن تصل إلى جميع أراضي الناتو، بحسب الأمين العام للحلف، فإن ستولتنبرغ يقول «لا ننظر للصين كخصم، يجب أن نواصل العمل مع الصين، ومن المهم معالجة قضايا مثل الحد من التسلح». خامساً: سوف يجدد الحلف استعداده لتمديد القيود على الترسانة النووية الروسية بموجب معاهدة الحد من الأسلحة الهجومية الاستراتيجية (ستارت-3) بعد انتهائها في 2026، وفق مساعدة وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الرقابة على الأسلحة، مالوري ستوارت، خلال الجلسة السنوية لجمعية الرقابة على الأسلحة بواشنطن.