محمد نعيم

روسيا تدرك أبعاد الخطوة ورغبة واشنطن في السيطرة على بحر البلطيق

الجزيرة تؤمِّن خط الغاز الروسي إلى ألمانيا وإمدادات إستونيا وليتوانيا ولاتفيا

انضمام فنلندا للحلف يكشف قواعد وأنشطة روسيا النووية في مورمانسك

ينطوي قرار فنلندا والسويد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي«ناتو» على فرصة جيدة لللوقوف على الأهمية الاستراتيجية لفنلندا وشبه الجزيرة الاسكندنافية؛ الواقع يؤكد أن الدولتَين عالقتَين على حافة الكرة الأرضية، أو بعبارة أخرى تقعان على حدود الدائرة القطبية الشمالية، وبحر البلطيق في الجنوب، وروسيا في الشرق، والمحيط الأطلسي في الغرب؛ وهو الموقع الذي يطرح علامات استفهام كبيرة حول ماهية القيمة الاستراتيجية التي يجسدها البلدان، وتشير مفردات الواقع الجغرافي إلى أهمية بحر البلطيق للدول المطلة عليه خاصة روسيا؛ إذ يرى الروس أن المسطحات المائية الدافئة (على الأقل في جزء من العام) توفر طريقاً ملاحياً للشحن والنقل البحري المباشر إلى شمال أوروبا والمحيط الأطلسي، لا سيما أن مدينة سانت بطرسبورغ (العاصمة الثانية لروسيا) تقع على شواطئ بحر البلطيق، فضلاً عن مرور خط أنابيب «نورد ستريم 1»، الذي يمد ألمانيا بالغاز الروسي عبر قاع البحر ذاته.

خطوط الإمداد

وحسب ما نقلته «نيويورك تايمز» عن مراقبين في واشنطن، تمنح السويد دول الناتو مهراً ثميناً بانضمامها إلى الحلف، لا سيما أن موقعها يؤهل الدول الأعضاء في المنظمة العسكرية للسيطرة على جزيرة غوتلاند التي تعد أكبر جزر بحر البلطيق، وتقع الجزيرة في قلب بحر البلطيق على بعد حوالي 90 كلم من ساحل مدينة سمولامد الواقعة غرب السويد، وحوالي 130 كلم من مدينة وينتسبيلس في لاتفيا شرقاً، وعلى شاكلة الجزر الأخرى في البلطيق، تعتبر الجزيرة سهلاً من الحجر الجيري، وتقع قرب جزر صغيرة بعضها محميات طبيعية بالإضافة إلى منتزه غوتسكا ساندون الوطني، وبشكل عام، تشكل غوتلاند والمناطق المحيطة بها واحدة من أكثر المساحات البيئية الطبيعية الفريدة في هذه المنطقة من العالم.

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

وتدرك روسيا جيداً أن انضمام السويد لحلف الأطلسي يمكِّن الولايات المتحدة ومعسكر الغرب من السيطرة على معظم مساحة بحر البلطيق، وتأمين خطوط الإمداد لدول البلطيق الثلاث: إستونيا، وليتوانيا، ولاتفيا؛ وعبر الجزيرة ذاتها أيضاً يتمكن الـناتو من نقل الدعم والإمدادات بسهولة عن طريق البحر إلى الدول الثلاث، التي تتمتع بالعضوية في الحلف.

الغواصات النووية

أما فنلندا، فيؤهلها موقعها الجغرافي للسيطرة على معظم ساحل خليج فنلندا، الذي تقع في نهايته مدينة سانت بطرسبورغ الروسية، وهو ما يزيد من صعوبة فتح جبهة روسية ضد دول البلطيق حال انضمام فنلندا إلى حلف الناتو، نظراً لاضطرار روسيا في هذه الحالة إلى نشر قوات على حدود فنلندا وساحل الخليج الفنلندي، ويضاف إلى ذلك اقتراب فنلندا أيضاً من قواعد روسيا العسكرية المنتشرة في الدائرة القطبية الشمالية، خاصة تلك المتموضعة في منطقة مورمانسك، إذ توجد عدة منشآت وقواعد استراتيجية روسية في هذه المنطقة المحورية؛ وإلى جانب تمركزات أخرى، تستضيف مدينة مورمانسك بطاريات دفاع جوي روسية، فضلاً عن كونها الميناء الرئيسي لأسطول الغواصات النووية الروسية.

وحسب «نيويورك تايمز»، تنطوي المرافق في مورمانسك على أهمية بالغة إذا دار الحديث حول أنشطة وممارسات القوات الروسية في الدائرة القطبية الشمالية، وحول قدرة وتمكين روسيا من اعتراض الطائرات والصواريخ القادمة من أمريكا الشمالية، إذ يمر أقصر طريق بالستي بين أمريكا الشمالية وروسيا عبر القطب الشمالي.

معلومات سريَّة

وفي اللحظة التي تنضم فيها فنلندا إلى الحلف تتمتع بخاصية تبادل المعلومات السريَّة مع كافة الدول الأعضاء في الحلف؛ وليس مستبعداً حينئذ اشتمال عمليات تبادل المعلومات على تقارير استخباراتية تتعلق بحجم وأنشطة وتحركات الجيش الروسي وأصوله، لا سيما أن التوقعات تؤشر إلى إمكانية حصول الجيش الفنلندي بعد الانضمام إلى حلف شمال الأطلسي على 64 مقاتلة أمريكية متطورة من طراز f-35، وهو ما يعزز إلى حد كبير قدرة فنلندا على جمع معلومات استخباراتية بالغة الأهمية عن روسيا، خاصة فيما يتعلق بآليات مواجهة أنظمة الدفاعات الجوية الروسية.

ورغم أن الـ«ناتو» يتمتع بقدرة هائلة في جمع معلومات استخباراتية بالغة الأهمية عن الدائرة القطبية الشمالية عبر التعاون الوطيد مع حكومة النرويج وأجهزتها الاستخباراتية، فإن انضمام فنلندا إلى الحلف يضاعف ويعزز قدرة الدول الأعضاء فيه على تتبع الأنشطة العسكرية الروسية في أقصى الشمال.