عبدالله الجعيد

تعترض حياة الإنسان، أحياناً، بعض المفارقات المتطرفة في شكلها وتأثيرها في نفسه، ولكنها تحدث، وفي تزامن دراماتيكي سريالي عجيب، لا يدري ما الذي يجري معه وكيف ولمَ ؟، تستفز سخريتك ودمعك في آنٍ واحد، تزج بك بين نقيضين، تتأرجح كمركب تائه بين شعورين يتخبطان بين السعادة والأسى في صدرك؛ شعوران متناقضان لا يصلح للتعامل معهما سوى مهرّج محترف في سيرك متنقل!._فيحدث أن تذهب تلك الأربعينية، التي تجزم، ما أن رأيتها، بأنها الملاك الذي لم ولن يخضع يوماً لقوانين الزمن مهما تقادم به العمر، لكأنها بقيت تحبو في صبا عشريناتها، ذاهبة في نورها، متشحة سلامها وقناعاتها وهدوءها، تلفها آيات السكينة والطمأنينة والثقة بما قسمه الله لها.يحدث أن تكون ماضية يوماً في تمشيط واجهات محال مزخرفة بوهج الأنوثة وألوان الربيع، تبقى تنقل ناظريها بين أطيافها، فتلمح في الواجهة ذاتها ظلاً لفتى يحجل للتو في ربيع عمره، تشع من عينيه أمارات الرجولة، مربوع البنية، مهندم الهيئة، متسق الملامح، أخفضت رأسها عن الواجهة خجلاً لكأنه رصد رادار عينيه ما اشتهت نفسها من بذخ أنثوي وافق مزاجها في تلك الواجهة.اصطنعت حركة تفقد شيء ما في حقيبتها، ومضت مسرعة، قاطعاً عليها تحرر حواسها ومزاجها. ناظرت ساعتها، وكأنها استشعرت كم الوقت الذي أهدرته في زرع تلك الواجهات بدون فضول منها لتجريب شيء منها!.سارعت باتجاه المصعد الكهربائي، كان خالياً، دخلت وأعطت ظهرها لبابه، لترتسم لها هيئة ذلك الشاب مرة ثانية على زجاج المصعد، استدارت، لتجد نفسها أمامه لا ظل لثالث يحجز بينهما!، تسارعت دقات قلبها، ارتبكت حتى كست تلك الوردية الصافية وجنتيها، في أتون تلك الخلوة المكشوفة، خجلت من مغبة أن تتناهى لسمعه دقات قلبها التي أخذت بالتصاعد شيئاً فشيئاً في ذلك الحيّز المحدود!.لم يفوَّت الفرصة، فبادر بالتحدث إليها، بدا خجلاً بعض الشيء في محاولته لفتح حوار معها على عجل، قائلاً لها بثقة: «ذوقك جميل ما شاء الله!، لاحظت ذلك من طول تفحصك لتفاصيل ذلك الفستان الأنيق المعروض في واجهة المحل!».أجابته بلا تردد وباسترسال حازم ينز أمومة وحكمة:«ولدي!، لو قُدّر لي الزواج باكراً لكان ولدي في مثل سِنّك!».f.lami@alroeya.com

أخبار ذات صلة