عزة سند ـ العين

تشكل أفلاج العين علامة بارزة في التراث المحلي ودليلاً دامغاً على العبقرية الهندسية التي تمتع بها الأجداد، حيث تسطر هذه المجاري المائية العذبة بجمالها لوحة فنية تروي عبقرية وذكاء وحسن تدبير في التعايش مع الواقع.

وتستعصي هذه الأفلاج التي دخلت قائمة اليونسكو للتراث العالمي على التغيير أو حتى التطوير مخافة الإضرار بها، حيث يقتصر دور الجهة المنوطة بها على المساعدة في ترميمها والحفاظ عليها، بوصفها قيمة إنسانية وتراثية.

وتعتبر الأفلاج أحد الأنظمة الفريدة التي تساعد في الحصول على المياه من باطن الأرض وتعد أشهر معالم مدينة العين، إذ يرجع تاريخها إلى 3000 عام مضت.

ويعد الفلج أساس نظام الري الزراعي القديم في دار الزين، لا سيما في واحات النخيل الخضراء التي لا تزال تعتمد عليه في سد حاجتها للمياه، وعبرها تُجدد نماءها وازدهارها.

وبرهنت الأفلاج التي شقها أهالي المنطقة قديماً رغم بساطة إمكانياتهم على تمتعهم بحس هندسي كبير، إذ يبدأ صنع الفلج بحفر الأرض إلى عمق يبلغ 25 متراً ويسمى أم الفلج. ويتدرج الماء من هذا المجرى باتجاه سطح الأرض بشكل مائل، ثم تشق فتحات على مجراه تسمى ثقاب الفلج، وكانت تستخدم لتهويته وتنظيفه على مسافات مقدارها 60 قدماً.

عراف الماء

أخبار ذات صلة

تدريس إدارة الأموال لتلاميذ الابتدائية في بريطانيا
النحت بقش الأرز.. مهرجان سنوي للفنون من مخلفات الزراعة باليابان


اختيار المكان الأنسب لحفر الفلج كان يتطلب شخصاً خبيراً ماهراً يسمى عراف الماء، كما أن عملية شقه أيضاً كانت بحاجة لمجهود بدني وشجاعة ومهارة فائقة لمواجهة مختلف الصعاب التي قد تعترض سير عملهم.

واستخدم البناؤون القدامى للأفلاج أساليب فنية معقدة في أعمال التسوية والمساحة للحصول على الاتجاه الصحيح وتوفير مستوى انحدار دقيق في الممرات باستخدام المطرقة والإزميل.

كانت عملية إحياء الفلج إذا ما ردم بالرمال من المناسبات التي تعكس حجم التعاون والتكافل الاجتماعي بين الأهالي في الماضي، فقد تخصص أبناء القبائل بإنشاء الإفلاح وصيانتها.

تاريخ عريق

يقول مبارك بن عجلان العميمي مدير إدارة الأفلاج في بلدية مدينة العين أن عدد الأفلاج في العين يصل إلى 300 تقريباً، إلا أن معظمها جف ولم يتبق منها سوى 27 فلجاً، مشيراً إلى أن هناك سبعة أفلاج هي الأهم حالياً وهي العيني، الهيلي، القطارة، الداوودي، الجاهلي، الجيمي، المعترض، والمويجعي بالإضافة إلى فلج مزيد، لافتاً إلى أن أول فلج من عصور ما قبل الإسلام اكتشف في مدينة العين بمنطقة الهيلي.

وأضاف أن المغفور له الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان، طيب الله ثراه، أولى أفلاج العين اهتماماً كبيراً لتوفير مياه الري اللازمة للزراعة، فبادر منذ البداية إلى إصلاح الإفلاج المهمة وحفر أخرى جديدة.

واستأثر حفر فلج الصاروج بجل اهتمامه حيث شارك بنفسه مع الأهالي في حفر الفلج واستغرق في ذلك وقتاً وجهداً كبيراً.

أسطورة الداوودي

يروي الوالد خميس النعيمي أسطورة متداولة بين الأهالي وتتلخص في أن النبي سليمان بن داود عليه السلام مر بهذه المناطق ونزل عند أهلها، فشكوا له قلة الماء فأمر الجن بالبحث عن المياه في جوف الأرض وحفر الأفلاج.

ويشير إلى أن مستوى المياه في أفلاج الداوودي قد يقل إلا أنها لا تجف أبداً لأن أمهاتها عيون ثابتة. ويعجب الناظر إلى أعماقها في باطن الأرض من دقة قطع الصخور أو تحمل البقاء تحت الأرض وسط ندرة الهواء وارتفاع درجة الحرارة والضغط الجوي فيها.

مهارة هندسية

ويعتقد الوالد رامس الظاهري مسؤول واحة الداوودي أن مهارة العاملين في حفر هذه القنوات الجوفية تجسّدت في قدرتهم على توجيه مساراتها تحت الأرض بحيث يلتقي بعضها بعضاً، ولا سيما أن ضبط مستوياتها كان يجري تقديرياً وليس بمقاييس محددة في ذلك الوقت، مع التوفيق بين المسار المثالي للمجرى وبين مسار يعتمد على خصائص الصخور التي يتم فيها حفر النفق باستخدام مطرقة وإزميل فقط داخل مساحات ضيقة للغاية.

عبقرية وعدالة

وبحسب الباحثة في دائرة الثقافة والسياحة أبوظبي، غاية الظاهري، فإنه كان يستعان بخبير في مجال تقسيم وتوزيع حصص مياه الفلج بين أصحاب المزارع، ويتم توزيع الحصص حسب قياس الظل بطول القدم، وعند انتهاء مدة حصة الأول، من السقي يتم إغلاق عامده وفتح عامد الثاني ومن ثم الثالث وهكذا.

وتشير الظاهري إلى أنه بعد حكم الشيخ زايد لإمارة أبوظبي بعامين ألغى نظام الحصص وطبق نظاماً آخر يعتمد على توكيل مهمة السقي لموظفين وبيادير (مزارعين) حكوميين يسقون لملاك الأراضي.