د. محمد المعزوز

لم يكن لدى ترامب حرج وهو يضفي على الرجل الأبيض قيمة استعلائية

يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى أن يجعل من الخطاب العرقي خطابا سياسيا شوفينيا في سياق إذكائه المتواصل لنعرة «امتياز الأبيض».

لقد أُوحي إليه أن يكون زعيما مختلفا إذا أحسن لعب ورقة «العرق» التي كانت تاريخيا مثار حروب ثقافية وإيديولوجية في أمريكا. لذلك، نجده يجتهد في جعل المسألة العرقية أساساً لبرنامجه الانتخابي، لأن كثيرا من آراء مستشاريه تتوقع أن خطاب العنصرية سيكون حاسما في الانتخابات القادمة، خاصة أن رقعة الناخبين البيض الغاضبين تتسع يوميا، نتيجة شعورهم بتراجع مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية أمام النجاح السريع للأشخاص من ذوي البشرة غير البيضاء.

لم يكن لدى ترامب أيّ حرج وهو يضفي على الرجل الأبيض قيمة استعلائية وتمييزية ويبالغ في إهانة المكسيكيين والأمريكيين من أصول إفريقية، وكان قد صرح مباشرة أن المهاجرين من هايتي وإفريقيا هم من أصول دول «بائسة وقذرة»، كماهاجم أربعة أعضاء نساء جديدات في الكونغرس (ألكسندريا أوكاسيو كورتيز ورشيدة طالب وأيانا بريسلي وإلهام عمر) مطالبا إياهن بالرجوع إلى بلادهن الأصلية، بالرغم من أنهن مواطنات أمريكيات.

لكن الغريب في الأمر أن المجتمع السياسي والمدني لم يتحرك بنفس القوة التي يمارسها ترامب وهو يحرض على التمييز العنصري والكراهية، بالرغم من أن الدستور والقوانين الأمريكية ينصّان على حظر وتجريم ما يدعو إليه رئيسها. كانت هناك بعض الانتقادات ضد ترامب، مثل انتقاد السيناتور ليندسي غراهام، من ولاية ساوث كارولينا، الذي شجب تهجّم ترامب على نساء الكونغرس. ولكن هذه الانتقادات ظلت معزولة وسطحية لم تتحول، كما كان منتظرا، إلى موقف اجتماعي وسياسي ومسألة رأي عام، نظرا لحيوية الشعب الأمريكي وتفاعله القوي مع القضايا الكبرى التي تمس كرامته وحقوقه الفردية والجماعية.

نحن هنا إذن أمام لغز سوسيولوجي يتعلق بالأسباب التي جعلت المواطن الأمريكي لا يتفاعل بنفس القوة التي تعامل بها ترامب وهو يحرض على إثارة العرقية والتمييز العنصري.

لقد انكشف الوضع المتناقض لترامب حول نبذ العنف والكراهية، لما كتب مجرم إل باسو (أبيض البشرة) تدوينة طويلة قبل إطلاقه النار على حشد من الناس يشير فيها إلى تماهيه مع خطاب ترامب ويؤكد تفوق ذوي البشرة البيضاء؟.

أخبار ذات صلة

اقتصاد الطبيعة والفرد
الصمت غير مبرر


إن الوضع المتناقض لترامب، وهو يدعو من موقف مختلف إلى تجنب الكراهية، هو الوضع نفسه الذي يقع فيه المجتمع الأمريكي بين موقفه التاريخي من نبذ الميز العنصري وبين خنوعه في تصديه بالقوة المطلوبة لدعاوى ترامب.

فهل مصدر هذا التناقض المُركب راجع إلى هيمنة الشعبوية التي تحولت إلى منظومة سياسية واجتماعية وثقافية، أو إلى خدعة فكرة المواطنة الجديدة التي بشّر بها ترامب في سياق حديثه عن الأمريكي الجديد، أم هو فشل اجتماعي وسياسي ينذر بانهيار أمريكا؟