د. شهد الراوي

ما هو المزاج؟.. هل هو فعل لا إرادي يتحكم في علاقتنا بالعالم والناس والأشياء التي نحبها ونكرهها؟، وكيف تحدث لنا هذه الانقلابات غير المتوقعة في سلوكنا؟ أكتب ثماني ساعات متواصلة في اليوم، وأتمنى أن أتواصل لألف ساعة بدون توقف، ثم فجأة أجد نفسي غير قادرة على إضافة كلمة واحدة، وأريد أن أرمي الكومبيوتر من الشباك.

أختلي بنفسي ولا أحب أن التقي الأهل والأصدقاء، لا أطيق حتى الرد على المكالمات والرسائل، وفي لحظة، أتوسل لأمي كي تخرج معي إلى المقهى أو السوق أو إلى السينما.. الجميع يقول: إنه فيلم الموسم، شيق ورائع وعظيم ولكنني أتعب منه بعد ربع ساعة مشاهدة (حدث ذات مرة في هوليود).. المشكلة (إن مزاجك سيئ) تقول أمي.

ما هي هذه القوة المسلطة على عقولنا ونسميها مزاجنا؟.. إذا كان هو (مزاجنا نحن) فلماذا لا نستطيع أن نغيره بإرادتنا؟، ولماذا نترك له حرية اللعب بمشاعرنا؟

نشتاق لشخص ونختلق المناسبات من أجل أن نلتقيه وقبل أن يتحقق اللقاء نجد أنفسنا متعبين ومرهقين، وليست لدينا رغبة في الخروج من باب البيت، نتصل لنتعذر فيقول لنا: ما هذا المزاج المتقلب؟

بعض الناس يشبهون في مزاجهم ذلك اليوم الغريب من فصل الربيع، حين يتنزل المطر بقوة ليتوقف بدون مقدمات وتشرق الشمس وتسلط حرارتها، ثم في المساء نحتاج إلى ألبسة ثقيلة لأن البرد عاد من غير أن يقول كلمة.

في هذه الحياة مجموعة أمزجة لا تشبه بعضها.. مزاج تصنعه الأغاني، ومزاج يصنعه الصباح، ومزاج يصنعه البشر، ومزاج يصنعه القلق.. وما نحن في المحصلة النهائية سوى حلبة تتصارع عليها هذه الأمزجة، وربما جمال حياتنا هو لأنها متقلبة وغير مستقرة في اتجاه واحد.

أخبار ذات صلة

اقتصاد الطبيعة والفرد
الصمت غير مبرر


أعتقد أن معاناتنا هي في محاولتنا مجابهة أمزجتنا ومعاندتها، لأن الحالة النفسية للفرد تعمل ضد الروتين فعليه أن يتقبلها.. مزاجنا هو نحن بالضبط ولكنه في الحب يورطنا بما يصنع الندم، المزاج في المشاعر أخطر الأسلحة.