محمد منصور

داخل معمل حديث مجهز بتكنولوجيا غاية في التعقيد وقف أستاذ المحاكاة الحيوية «ميلتون جليك» يراقب بإعجاب نتائج عمله الذي استغرق قرابة عشر سنوات كاملة.

بملامح يمتزج فيها الفخر بالأمل؛ يعيد الرجل لقطات فيديو تعرض مشهداً غريباً يشبه ما تتداوله شاشات السينما وروايات الخيال العلمي.

فعلى بعد أمتار قليلة منه؛ يبحر أحد «الروبوتات النانوية» داخل بيئة تشبه تماماً بيئة جسم الإنسان. يراوغ الروبوت - بشكل ذاتي تماماً - كريات الدم وصفائح البلازما؛ متحركاً ببراعة ضد زخم تصنعه الدورة الدموية.

بعد نحو أربع دقائق مرت كالدهر على «جليك» وفريقه العلمي المكون من باحثين في مجالات الهندسة الحيوية والفيزياء النانوية بجامعة ولاية أريزونا، وصل الروبوت إلى هدفه، ليقوم بـ «قطع» الشعيرات الدموية التي تغذي ورماً يشبه أورام البنكرياس.

وبعد إتمام العمل بنجاح؛ تحرك الروبوت إلى المعدة، وأوقف محركاته النانوية، مستقراً داخل جدار المعدة، لتتكفل أحماض المعدة بتدميره، تمهيداً لخروجه من الجسم عبر عملية الإخراج الطبيعية.

كانت تلك هي المرة الأولى التي ينجح فيها إنسان آلي نانوي في مهمة قطع إمدادات الغذاء عن الأورام السرطانية.

أخبار ذات صلة

تدريس إدارة الأموال لتلاميذ الابتدائية في بريطانيا
النحت بقش الأرز.. مهرجان سنوي للفنون من مخلفات الزراعة باليابان


ومنذ ذلك اليوم - 19 نوفمبر 2018 - استقر في ذهن الباحثين ضرورة تطوير روبوتات نانوية، كطريق بديل لعلاج الأمراض المختلفة، وليس السرطان فحسب.

والآن، تنتشر مئات الأوراق العلمية الخاصة بتصميم مجموعة من الروبوتات المختلفة ذات الكفاءة العالية والتي يمكن استخدامها في علاج الأمراض، وإصلاح خلل المادة الوراثية، وحتى المساعدة على تجديد خلايا الجلد المتضررة جراء الحروق والحوادث.

فما هي تلك الروبوتات؟ وكيف تمكن الاستفادة منها؟ وما هو مستقبلها؟

التقت الرؤية أربعة علماء متخصصين في تصميم الروبوتات النانوية بمختلف أنواعها وأشكالها، ليقيّموا مدى إمكانية استخدامها كبديل للطرق التقليدية، أو حتى كحامل للدواء، أو «قنبلة» لها قدرة تدميرية محدودة يُمكن استخدامها لـ «تفجير الأورام السرطانية».

في البداية؛ يعرّف الباحث في قسم هندسة الروبوتات بمعهد العلوم والتكنولوجيا الكوري «برادلي نيلسون» الروبوتات النانوية بكونها مجموعة من الأدوات التي لا يزيد حجمها على بضعة نانومترات (كل 1 مليمتر يحتوي على مليون نانو)، إذ غالباً ما تتراوح أحجامها بين 1 و1000 نانومتر.

يتم تصنيع الروبوتات النانوية من مواد اصطناعية يتم تغيير خصائصها على المستوى النانوي.

تستطيع تلك الروبوتات - على الرغم من حجمها الضئيل - استخدام مجموعة واسعة من «الحيل» للقضاء على الأمراض المختلفة. إذ إن الروبوتات تستطيع إفراز إنزيمات تقوم بقطع إمدادات الطاقة عن الخلايا السرطانية، أو المساعدة في إفراز الكولاجين لتجديد خلايا الجلد، أو حتى تسميم الخلايا السرطانية وتدميرها من الداخل عن طريق تخريب حمضها النووي.

ويقول «نيلسون» إن ذلك النوع من الروبوتات يُمكن أن يستخدم في تطبيقات واسعة للغاية، إذ إن لتلك الآلات الجزيئية القدرة على تولي مهام لا يستطيع البشر تنفيذها، فمثلاً يمكن استخدامها لإعادة بناء طبقة الأوزون، أو عزل الجزيئات الملوثة للمياه، أو الحفاظ على البيئة، أو في العمليات الصناعية المختلفة، وحتى في تشخيص الأمراض وتسريع نمو الدماغ البشري، وتحسين الرعاية الصحية. إذن؛ فالروبوتات النانوية عبارة عن آلات يمكنها بناء ومعالجة الأشياء بدقة على المستوى الذري.

فما هي أنواع تلك الروبوتات؟ للإجابة عن ذلك السؤال؛ توجهت «الرؤية» لأستاذ الهندسة الطبية والكهربائية بمعهد كاليفورنيا «ليهونج وانج» وهو أحد المتخصصين في تصنيع الروبوتات النانوية.

يقول «ليهونج» إن هناك أنواعاً مختلفة من الروبوتات النانوية، تختلف طبقاً للحجم والتركيب والوظيفة.

ويشير «وانج» في تصريحات خاصة لـ «الرؤية» إلى أن أصغر روبوت تم تصنيعه على الإطلاق يبلغ حجمه ذرة واحدة، يقوم ذلك الروبوت بتحويل الطاقة الحرارية إلى طاقة حركية، وتمكن الاستفادة منه في تطبيقات الصحة. فمثلاً؛ يمكن تحميل ذلك الروبوت بأدوية كيميائية ومن ثم إطلاقه في مجرى الدم.

يقوم ذلك الروبوت بامتصاص الحرارة من الدم أثناء وجوده في الشرايين، ويستغل تلك الحرارة لتشغيل محركاته النانوية والحركة في اتجاه الأورام، وبمجرد وصوله إلى الورم، يطلق الدواء المخصص لمهاجمة الخلايا الورمية وتدميرها.

أخيراً؛ صمم مهندسون من جامعة أوهايو روبوتاً له القدرة على إصلاح جزيئات الحمص النووي عبر إطلاق مكونات معقدة تساعد على تصحيح الطفرات التي تنجم عنها الأمراض الوراثية.

كما طور باحثون من شركة «زيوريخ للتقنية» نوعاً من الآلات التي تستطيع التحرك خلال بيئات السوائل البيولوجية بسرعة تقترب من 15 ميكرومتراً في الثانية.

يتم التحكم في تلك الروبوتات مغناطيسياً لاستهداف الخلايا السرطانية بشكل حصري.

ويقول «وانج» إن باحثين من جامعة كمبريدج تمكنوا من تصميم روبوت نانوي ذي قوة كبيرة قادر على اقتحام أغشية الخلايا الحية ومحاربة البكتيريا والفيروسات المسببة للأمراض.

كما طور باحثون من الجامعة الألمانية في القاهرة روبوتات مجهرية مستوحاة من الحيوانات المنوية ويمكن التحكم فيها عن طريق تذبذب الحقول المغناطيسية الضعيفة.

أما باحثو جامعة «دريكسل» فقد تمكنوا من تصميم روبوت يعمل مثل «البكتيريا»، إذ يستطيع النفاذ داخل البيئات البيولوجية لتوصيل الأدوية إلى الأماكن المستهدفة.

«تكاد تكون تطبيقات تلك الآلات الجزيئية لا نهائية» يقول «وانج».

فالروبوتات النانوية يمكنها أن تكون «حاملاً» للأدوية كوسيلة لتوصيلها إلى الأماكن المختلفة للسيطرة على الأمراض والوقاية منها.

كما يُمكن أن تستخدم كوسيلة من وسائل التصوير الطبي؛ عبر حقنها داخل الجسم وتسليط الرنين المغناطيسي عليها. كما يمكن أن تستخدم كأجهزة استشعار جديدة تدمج داخل أنظمة المراقبة البيئية والعسكرية.

كما يستطيع العلماء استخدامها في تخزين البيانات، أو تطوير أنظمة أكثر كفاءة للطاقة المتجددة، أو صناعة مواد أكثر قوة ومتانة، أو حتى تنظيف المحيطات، وتوجيه التفاعلات الكيميائية، ومراقبة كيمياء الدم، وصولاً إلى ربطها بخلايانا العصبية لتعمل ضمن نظامنا العصبي البيولوجي كأداة لتوصيل أدمعتنا بشكل مباشر بشبكة الإنترنت.من معالجة السرطان إلى القضاء على التلوثالمستقبل المشرق لـ «الروبوتات النانوية»