فاروق جويدة

اللغة العربية تحتاج إلى صحوة ثقافية تعيد لها جلالها ومكانتها في كل القلوب

تعيش اللغة العربية محنة قاسية أمام شعوبها ونظم تعليمها.. فمن كان يصدق أن يجيء يوم تهبط لغتنا الجميلة من عرشها، وتصبح غريبة تتسكع في شوارع المدن العريقة حيث لا يفهمها أحد ولا يتحدث بها أحد، وهي تعاني من الجحود والنكران؟.. إنها اليوم في محنة، وهذه بعض من شواهدها:

أولاً: جميع المدارس الأجنبية التي تهرول إليها العائلات في كل العواصم العربية لا تعترف باللغة العربية في مناهجها، وتخجل من تدريسها، فبعد أن كانت مقررات اللغة العربية تعلم الأبناء قواعدها في القراءة والتعبير والمحفوظات والإلقاء منذ الصغر، تراجعت تماماً، فلا الأبناء يعرفون الشعر العربي، ولا يجيدون القراءة الصحيحة، والغريب أن المدارس الأجنبية ليست حريصة على أن تكون اللغة العربية ضمن مناهجها، لذا مطلوب من وزارات التعليم في العالم العربي إصدار قرار تاريخي يفرض على المدارس الأجنبية تدريس اللغة العربية ومن يرفض ذلك فلسنا في حاجة إلى مدارسه.

ثانياً: تفريطنا في لغتنا العربية، الأمر الذي فتح الأبواب أمام كل من هب ودب ليجتهد بلا علم، ويفتي بلا وعي، ويقرأ آيات الله بطريقة خاطئة، وإهمالنا اللغة العربية يعني تخلينا لأهم جوانب العقيدة الإسلامية ممثلة في القرآن الكريم، لذلك لا بد من أن تعود المدارس لتدريس القرآن في مادة مستقلة، حتى يتمكن التلاميذ من حفظ أجزاء منه تفتح أمامهم آفاق العقيدة وأسرار اللغة.

ثالثاً: كتابة أسماء المحال والشوارع والمدارس والفنادق باللغات الأجنبية، لهذا لا بد من إصدار قانون موحد في الدول العربية يمنع ذلك، حتى تعود اللغة العربية إلى شوارعنا ومحالنا ومدارسنا ومستشفياتنا.. إن الشيء الغريب أن الإنسان عندما يطوف في عدد من العواصم العربية تطارده اللوحات بأسماء أجنبية ولا يجد اسماً عربياً واحداً يصافح عينيه وسط هذا التكدس الرهيب، والأخطر من ذلك هي الإعلانات في الشوارع وعلى شاشات الفضائيات والصحف والمجلات ومواقع التواصل الاجتماعي وجميعها باللغات الأجنبية.

تلك بعض الشواهد التي تجعلنا نقول: إذا كانت الأجيال الجديدة تطاردها العناوين والكتب والمدرسة والجامعة باللغة الأجنبية فأين تجد لغتها؟.. وإذا كانت الأسرة تستحي من الحديث باللغة العربية وكأنها عار وتفضل الحديث باللغات الأجنبية فأين يتعلم الأبناء لغتهم حيث لا الأسرة ولا المدرسة ولا الشارع تتحدث هذه اللغة التي هجرها أصحابها منذ سنين؟

بجانب هذا هناك مجتمعات عربية لا تشجع على نشر اللغة العربية بين أفرادها، في وقت حاربت فيه مجتمعات أخرى لاستعادة لغتها كما حدث في دول شمال أفريقيا، حيث خاض الشعب الجزائري معركة من أجل التعريب ونشر اللغة العربية في عهد الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين.. ودول المشرق العربي تحتاج اليوم إلى ثورة ثقافية لاستعادة لغتها.. فغياب اللغة ضياع للهوية، وفقدان للذاكرة، وامتهان للتاريخ.. اللغة العربية في محنتها تحتاج إلى صحوة ثقافية تعيد لها جلالها وكبرياءها ومكانتها في كل القلوب.

أخبار ذات صلة

اقتصاد الطبيعة والفرد
الصمت غير مبرر