شيماء يحيى

حذر من أشباه أدباء نشطين في العلاقات مع الإعلام ووسائل التواصل



وضع رئيس تحرير مجلة شؤون ثقافية، الصادرة عن وزارة الثقافة اللبنانية الشاعر اللبناني نعيم تلحوق، روشتة تصف الشاعر الناجح برأيه، مؤكداً أنه مَن يذهب إليه الشعر لا الذي يذهب إلى الشّعر مستجدياً بنات الخيال، وهو من يكون على اطّلاع واسع على الشعر العربي قديماً وحديثاً، وكذلك على الشعر العالمي، داعياً شعراء اليوم إلى العمل على تنمية ثقافتهم والإلمام بالأحداث، ليكونوا قادرين على رصد الواقع والهروب به إلى الخيال.

وأكد الشاعر اللبناني في حواره مع «الرؤية» رفضه لفكرة «تسييس الشعر» والمجاملات والمحسوبيات وأشباه النقاد الذين ينصبون أنفسهم على منصات التواصل الاجتماعي وبعض صفحات الصحف.

ووصف تلحوق نفسه بالكائن الذي يبحث عن نفسه، منوهاً بأنه حتى الآن لم يزل يبحث عن نفسه، محذراً من أن الحركة الأدبية تسير في مسار متعرج، بعد ظهور أشباه أدباء نشطين في العلاقات مع الإعلام ووسائل التواصل الأخرى، مؤكداً أن الزمن كفيل بغربلة «شعراء الفيسبوك»، الذي وصفه بالحقل العشوائي الخالي من النقد البناء والقائم على تقديم كلمات مبعثرة يزعم كتابها أنها قصائد شعرية.

أخبار ذات صلة

تدريس إدارة الأموال لتلاميذ الابتدائية في بريطانيا
النحت بقش الأرز.. مهرجان سنوي للفنون من مخلفات الزراعة باليابان

وأشار إلى أن جائحة كورونا لم تمثل بالنسبة له حجراً جسدياً، بل كانت حجراً ذهنياً ونفسياً لأمراض بداخل الإنسان تجتاحه، وقد بدأت تتكشف، مشيراً إلى أن هذه الجائحة جاءت لتكشف خوف أنفسنا على أنفسنا قبل كل شيء من دون اعتراف وإدراك للآخر الذي هو فينا.



كثيرون كتبوا الشعر ونظموا القوافي، لكن هذا ليس أمراً كافياً لولادة شاعر، من هو الشاعر برأيك؟

بعد 4 عقود من الإبحار في عالم القصيدة، أستطيع أن أقول الشاعر هو الإنسان المختلف، المتمرد على واقعه فهو الذي يستطيع تمزيق الحواجز، والشعر هو الطريق الذي نتوجَّه به إلى الله، فتلك الكلمات التي يتم نظمها ليست إلا أفكاراً تنتهي عندها كافة العلوم من الرياضيات والفيزياء والفلسفة، فالشعر هو البحث عن الإجابات التي تطرحها تلك العلوم.

هل يولد الإنسان شاعراً؟ أم أن المثابرة على النّهل من بحر الشعر هي من تصنع شاعراً؟

الشعر عطية من عطايا الخالق، والموهبة نعمة يخص بها إنساناً عن آخر، فهو كالحلم يسقط على شخص ولا يذهب لمن ينام بجانبه، وهناك 3 صفات أساسية يجب أن تتوافر فيه وهي أن يكون محباً معطاء موهوباً، وهذه الموهبة يجب أن تخضع لتمرين حتى تصقل، حتى تظلّ على قيد الحياة، فكثير من المواهب ضحلة، وما استمرارها في الكتابة إلّا عزف نشاز، وإزعاج للذائقة السليمة.

يكتب الشاعر عندما يكون بداخله وجع، فما وجع تلحوق؟

وجعي الأول الوجود، حيث أحاول دوماً البحث عن المعنى فكل قول لا يترك تأثيراً لا يمكن تسميته شعراً، لذلك أعتبر نفسي كائناً يبحث عن نفسه وقد بدأت الأسئلة تحوم حولي منذ الطفولة، وتعلمت البلاغة على يد والدي منذ أن كنت طفلاً في عمر 10 سنوات، فقرأت الفلسفة في 12 وكنت قد بدأت بالأدب، ما جعلني أكبر قبل أواني وتلمست الطريق حينها ونزلت إلى بيروت وأخذت أصارع رؤساء الصحف والمجلات كي أنشر مقالاتي وقصائدي، كنت أظن أنني الكائن الوحيد في هذا الكوكب الذي يعرف ما لا يُعرف حتى استدركني آخر من المدينة وسألني من أنت؟ فرُحت من هذه المعادلة أبني وجهاً لي كي يكون لي وظيفة في الحياة، فكانت وظيفتي البحث الدائم عن نفسي، حتى الآن لم أزل أبحث عن نفسي.



تتسم تجربتك الشعرية بالثراء، فما الروافد التي أثرت في هذه التجربة؟

أعتقد أن تجربتي الفلسفية والصوفية التي بدأت معي منذ نعومة أظافري كان لها التأثير الأكبر في بنائي أدبياً، فاتجاهي مبكراً لقراءات الأدب اليوناني والفارسي والغربي أصقلتني كثيراً ووجهت بصيرتي وانعكست على تجربتي الشعرية، وتأثرت بكافة من سبقوني في عالم القصيدة فتعلمت من جبران التمرد وتربيت على نزعة الموقف التي اتسم بها فكر خليل حاوي، وتأثرت بقواعد التروي والهدوء والحكمة التي تميز بها أدونيس.

ومن هو شاعرك المفضل، الذي يمكن أن نقول إنك سرت على نهجه؟

المتنبي كانت كتاباته دائماً تسكن في قلبي، ويمكن أن نطلق عليه أعظم شاعر حديث، ولكن دائماً كنت أستقي منه ما يناسبني، ويشبهني.





وخلال تجربتك الأدبية، من هو الشّاعر النّاجح من وجهة نظرك؟

الشاعر الناجح هو من يذهب إليه الشعر لا الذي يذهب إلى الشعر مستجدياً بنات الخيال، وهو من يكون على اطّلاع واسع على الشعر العربي قديماً وحديثاً، وكذلك على الشعر العالميّ، فشاعر اليوم غير شاعر الأمس، إذ يحتاج الأول إلى تنمية ثقافته والإلمام بالأحداث، ليكون قادراً على رصد الواقع والهروب به إلى الخيال، كما أن الشاعر الناقد هو من يكون قادراً على نقد نفسه، فهو ناقد عليم بشعره وشعر غيره.

ما رأيك في الحركة الأدبية الحالية خاصة بعد انتشار وسائل التواصل الاجتماعي؟

الحركة الأدبية تسير في مسار متعرج، حيث يظهر على الساحة الأدبية أشباه أدباء نشطين في العلاقات مع الإعلام ووسائل التواصل الأخرى، في حين تُهمل الفئة المشعة، ولا يُعطى لها المجال في الظهور والانتشار، لذلك لا أعترف بمن يسمون بشعراء فيسبوك، ذلك الحقل العشوائي الذي يخلو من النقد البناء ويقوم على تقديم كلمات مبعثرة يزعم كتّابها أنها قصائد شعرية، ويطلقون على أنفسهم شعراء المدرسة الجديدة، ولكن ما أقوله إن الزمن كفيل بالغربلة دائماً، وطرد مدعي الموهبة.

هل تعتقد أن الساحة الأدبية تحتوي على نقّاد على قدر من المسؤولية؟

يؤسفني الحال الذي وصل إليه النقد الأدبي في هذا العصر، حيث أصبح أغلبه قائماً على المجاملات يعتمد على الشللية أحياناً يرفع من لا قيمة له ويهمش صاحب القلم الحقيقي، ولكن مثل هذه الكتابات الركيكة المهلهلة ونقدها ليس له قيمة فنية، وسوف تزول بزوال الأسباب التي أوجدتها، والزمن طال أو قصر كفيل بالغربلة، ويظل اسم الشاعر الحقيقي محفوراً في تاريخ الأدب والشعر.

نعيش في عصر الرواية، هل توافق على هذه المقولة؟

من وجهة نظري الرواية في تطور، ولكنها لا تسبق الشعر بل ربما هما فرسا رهان في مضمار لا يرتاده إلا القليل من الجمهور الذواق لهذا أو ذاك، وأشعر بأن مجال الكتابة الأدبية يسمح بالدمج بين هذين الشكلين الأدبيين، وهناك الكثير من الروايات الشعرية التي جمعت بينهما وخطفت قلوب عشاق القراءة، لذلك أستعد لإطلاق روايتي الشعرية الجديدة التي ستكون مفاجأة لكل متابعي كتاباتي.

لم تعد الدواوين والأمسيات طريق وصول الشاعر للجمهور، فهل نجحت برامج البحث عن المواهب في هذه المهمة؟

مع الأسف جرى تسييس بعضها من خلال حسم النتائج لدول على حساب أخرى ولست ضد هذه البرامج شريطة أن تنجح في تسليط الضوء على المواهب الشعرية الحقيقية والاستمرار في تبنيهم حتى لا يكون نجاحهم مؤقتاً وزائفاً ولا يستمر طويلاً، وما زلت أؤمن بأن نجاح الشاعر يكون من خلال رصيد من القصائد القوية ذات بناء لغوي متكامل العناصر الفنية، فأنا لا أستطيع أن أطلق لقب شاعر على شخص رصيده من الشعر قصيدة واحدة، حيث يمكن أن يحقق شهرة، لكن لن يعرف المعنى الحقيقي للنجاح.

هل تؤمن بأهمية أن ينتمي الشاعر أو الأديب إلى أي مؤسسة أدبية؟

لا عيب في ذلك، شريطة ألا تُفرض على الشاعر أي قيود، فالعصفور لا يمكن أن يسمع عشاقه تغريده عندما يُحبس في قفص، فأنا أؤمن بأن الإبداع الحقيقي لا يصنع داخل الأقفاص المغلقة، فحرية قلم وأفكار الشاعر هي الشعلة التي تضيء داخله الإبداع والتحليق في السماء.

»كورونا» جسدت درساً لأدباء وشعراء بعد أن أدخلتهم في عزلة جبرية، فماذا استفاد تلحوق من هذا الدرس؟

العزلة القسرية في ظل جائحة كورونا أثرت على نتاج الأدباء والشعراء، ولطالما شكلت العزلة الاختيارية ملاذاً إبداعياً باعثاً على العطاء والتركيز والتخيل والتأمل واستحضار منابع الاستلهام، وأحياناً تكون العزلة الجبرية كبحاً وفرملة للوحي، وبالنسبة لي كورونا ليست حجراً جسدياً، بل كانت تمثل حجراً ذهنياً ونفسياً لأمراض فينا تجتاحنا، وقد بدأت تتكشف، إنه دور الكشف لكل ما هو مزيف من حقائق وإرادات وعلاقات، ولو رجعنا إلى التاريخ، نجد أن سقراط حين كان في السجن أفهمنا أن للحرية باباً ثالثاً غير الجدران والنكران، فهذه الجائحة جاءت لتكشف خوف أنفسنا على أنفسنا قبل كل شيء من دون اعتراف وإدراك للآخر الذي هو فينا.





وما الحلم الذي ما زال يجول في خاطر نعيم تحلوق؟

على المستوى المهني أستعد خلال الأشهر الأربعة المقبلة لإصدار روايتي الشعرية الجديدة وأتمنى أن تنجح في توصيل كل ما بداخلي من أفكار، أما على المستوى الشخصي فأحلم بالعيش في بيت في منطقة ريفية نائية، حيث يحيطني اللون الأخضر والحيوانات لأفرغ ما بداخلي من طاقات إيجابية وأتفرغ للكتابة الأدبية، ويكون معي شخص وحيد وهو «حبيبتي».

محطات شعرية

أنهى مجلّده الأول عام 1985 بسلسلة العبارة الشعرية التي بدأت بـ«قيامة العدم.«

»شهوة القيامة» المجموعة الشعرية العاشرة التي بدأها عام 2001.

تحتوي على 28 قصيدة جمعها الشاعر في لوحات ثلاث.

أولها بعنوان «سقوط الشهوة قبل التداعيات»، الثانية «احتمال الخروج من الأمكنة»، الثالثة «رقصٌ على عرش الكلام».