الرؤية

تسعى العراق إلى تنويع إمدادات الطاقة من خلال إطلاق مشاريع جديدة للطاقة الشمسية بقدرة 700 ميغاواط في الفترة المقبلة، سيتم زيادتها في المستقبل إلى 10 غيغاواط أي ما يساوي 20% من مزيج الكهرباء بحلول عام 2030.

ويأتي هذا الاتجاه مدفوعاً برغبة العراق في تنويع مصادر توليد الكهرباء وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري، وتقليص استيراد الكهرباء والغاز من الخارج.

ومع ذلك، يقتضي نشر الطاقة المتجددة في العراق اتخاذ خطوات ثابتة نحو تعديل الإطار التشريعي والتنظيمي لمصادر الطاقة الشمسية والرياح من أجل تحفيز مشاركة القطاع الخاص في تنفيذ وتمويل المشاريع الجديدة.

إمكانيات كبيرة

تحاول العراق اتخاذ أولى خطواتها نحو تنويع مصادر إمدادات الطاقة في البلاد، حيث أعلنت وزارة النفط مؤخراً خطة لتطوير 7 محطات للطاقة الكهروضوئية بقدرة 700 ميغاواط، منها محطة في كربلاء بــ300 ميغاواط، ومشاريع أخرى في واسط وبابل وغيرها بنحو 400 ميغاواط، ويأتي ذلك ضمن خطة لزيادة قدرات الكهرباء المولدة عبر الطاقة الشمسية إلى 10 غيغاواط بحلول عام 2030، أي ما يساوي 20% من مزيج الكهرباء.

أخبار ذات صلة

معرض دبي للطيران 2023 ينطلق الاثنين.. ماذا ننتظر؟
بريطانيا: حظر أدوات المائدة البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد اعتباراً من أكتوبر

ولدى العراق إمكانيات كبيرة لتوليد الكهرباء عبر الطاقة الشمسية، إذ تمتلك متوسط إشعاع قدره 6.5 كيلوواط للساعة لكل متر مربع، ما يجعل مشاريع الطاقة الشمسية ذات جدوى تجارية واقتصادية من الناحية المبدئية.

وتأمل الحكومة في استغلال هذه الموارد في تلبية الطلب المتزايد على الكهرباء خاصة في فصل الصيف، والذي يتسبب في حدوث انقطاعات متكررة بالكهرباء تمتد لأكثر من 8 ساعات في بعض الأحيان، ويدفع الأفراد والشركات للاعتماد على المولدات العاملة بالديزل.

وفي السنوات الماضية، عملت الحكومة على تطوير محطات شمسية في المحافظات الوسطى والجنوبية والغربية، وطرحت عدة مناقصات لتنفيذ هذه المحطات أمام الشركات الخاصة، ولكنها لم تتمكن من جذب عروض مناسبة لتنفيذ المشاريع بسبب الظروف الأمنية والسياسية المضطربة في البلاد، إضافة إلى تداعيات جائحة كورونا على النشاط الاقتصادي، كما كانت أسعار توليد الكهرباء المعروضة من قبل الشركات مرتفعة مقارنة بنظيرتها العالمية أو الإقليمية، ما يعكس حالة الحذر في التعامل مع السوق العراقية.

دوافع عديدة

يتيح توجه العراق نحو تبني مصادر الطاقة المتجددة فرصة لتأمين وتنويع إمدادات الكهرباء بدلاً من الاعتماد فقط على الوقود الأحفوري، والذي يبدو غير كافٍ لتلبية كافة احتياجات العراق من الكهرباء.

وتواجه البلاد زيادة سنوية كبيرة في الطلب على الكهرباء في ظل تزايد عدد السكان والنشاط الاقتصادي. وفي فصل الصيف، عادة ما يشتد الطلب على الكهرباء بشكل كبير، وليصل العجز إلى ما بين 5000 إلى 6000 ميغاواط، وعلى نحو يتسبب في انقطاعات متكررة للكهرباء.

وإضافة للسابق، فقد واجهت بغداد موقفاً متأزماً في الفترة الماضية بسبب اعتمادها المفرط على إيران في استيراد الكهرباء والغاز لتلبية جزء من احتياجاتها. وتُصدر إيران نحو 1200 ميغاواط من الكهرباء للعراق، بالإضافة إلى إمدادات من الغاز الطبيعي تصل إلى 50 مليون متر مكعب يومياً، وهي تغذي معاً محطات الكهرباء العراقية بطاقة تصل إلى 5000 ميغاواط، أي ما يساهم بثُلث قدرة الشبكة الكهربائية العراقية.

ومؤخراً، خفّضت إيران إمداداتها من الغاز إلى العراق إلى حوالي 5 ملايين متر مكعب يومياً للضغط على بغداد لتسوية ديونها لإيران نظير إمدادات الطاقة، وعلى نحو يهز الثقة في الأخيرة كمورد آمن للطاقة، ويتزامن هذا مع مطالب أمريكية متكررة للعراق لتقليص اعتمادها على إمدادات الطاقة الإيرانية، والتي تراها واشنطن مصدراً لتعزيز النفوذ الجيوسياسي الإيراني بالعراق.

كما يأتي التحول نحو الطاقة المتجددة من جانب العراق بغرض تعزيز قدرتها التصديرية من النفط الخام ودون استهلاك كميات كبيرة في تشغيل محطات توليد الطاقة الكهربائية، إلى جانب تقليص الانبعاثات الكربونية والحفاظ على البيئة، بما يتماشى مع التوجه العالمي في هذا الصدد.

متطلبات التقدم

من الناحية الإجرائية، عادة ما يتم تنفيذ مشاريع الطاقة المتجددة عبر عملية طويلة تشمل تقديم العطاءات وترسيتها ثم تنفيذها، ولذلك المشاريع المطروحة من قبل الحكومة العراقية بقدرة 700 ميغاواط لن تدخل حيز التنفيذ قبل عامين على الأقل.

وفضلاً عن ذلك لا تبدو العراق على أتم الاستعداد للانتقال لتبني مصادر الطاقة المتجددة بما في ذلك الطاقة الشمسية والرياح، حيث لا توجد أطر تنظيمية وتشريعية لتحفيز مشاريع الطاقة المتجددة. وحالياً، ينظم قانون الكهرباء رقم (53) لسنة 2017 مسائل الطاقة المتجددة المختلفة. وكانت الحكومة في طور طرح مشروع أكثر تفصيلاً للطاقة المتجددة، إلا أنه لم يتم الانتهاء منه.

وبالإضافة للسابق، فلا توجد استراتيجية عامة لقطاع الطاقة المتجددة تحدد أهداف القطاع ودور المؤسسات المختلفة في تطويره.

وكما هو معمول به في دول العالم، فإن منظومة قوانين الطاقة المتجددة تحدد آليات مشاركة القطاع الخاص بمشاريع الطاقة المتجددة والتي تندرج تحت نموذج المنتج المستقل، أو من خلال المناقصات.

كما تحدد القوانين والإجراءات التنظيمية الإعانات الحكومية أو الإعفاءات الجمركية والضريبية لتشجيع هذه المشاريع، وهو ما ينبغي على العراق تحديده سريعاً من أجل تحفيز مشاركة الشركات المحلية والدولية في مشاريع الطاقة المتجددة.

وفي ظل الزخم الدولي نحو التحول لمصادر الطاقة المتجددة، ربما لن تجد العراق صعوبة كبيرة، نظرياً، في توفير التمويل لمشاريع الطاقة الشمسية والرياح، ولكن تبقى التعقيدات الأمنية والسياسية بجانب الضغوط الاقتصادية أحد أكثر العوامل التي يمكن أن تعرقل نسبياً مشاركة الشركات الدولية في تنفيذ وتمويل مشاريع الطاقة المتجددة، ما لم تحصل على ضمانات من مؤسسات دولية أو دول كبرى لتسهيل مشاركتها بالمشاريع.

وفي النهاية، يمكن القول إن تحول العراق نحو تبني مشاريع الطاقة المتجددة بمثابة فرصة ذهبية لتقليص انكشافها على مصادر الطاقة الأحفورية، واستيراد الكهرباء والغاز من إيران في الأمد الطويل، غير أن ذلك قد يتطلب تعديل البيئة التشريعية والتنظيمية من أجل تعزيز انتشار مشاريع الطاقة المتجددة.

المصدر- نقلا عن مركز المستقبل للأبحاث والدراسات المتقدمة