الرؤية

القمة ترسِّخ للسلام وتغير الأنماط التقليدية الراسخة في الشرق الأوسط

تطبيع العلاقات ليس بديلاً عن التفاوض وإحراز السلام مع الفلسطينيين

المنتدى يغير طريق الإرهاب والدمار للمشاركة في مستقبل التقدم والنجاح

تتأهب المنطقة إلى واقع جديد يأبى العنف، ويكافح التطرف، وينبذ لغة الدماء، والتف وزراء خارجية الإمارات والبحرين والمغرب ومصر، بالإضافة إلى وزراء خارجية أمريكا وإسرائيل، في قمة النقب حول هذا الهدف، داعين دول المنطقة للانضمام إلى المنتدى، الذي لن يقتصر انعقاده على القمة الأخيرة، وإنما تستضيفه أكثر من دولة خلال الفترة المقبلة، للتداول حول تحديات أمنية، وسياسية، واقتصادية؛ وربما كان الإجماع على إدانة العملية الإرهابية في منطقة الخضيرة بمدينة حيفا دليلاً على وحدة موقف الدول المشاركة في القمة. ومن المتوقع، حسب دوائر سياسية، أن تستحيل القمة الدورية إلى مركز ثقل إقليمي، يوازي منتدى الدول المشاركة في المحادثات النووية في فيينا، التي دخلت الخط الأخير قبل العودة المتوقعة للاتفاق النووي لعام 2015 مع إيران.

وألقت كلمة سمو الشيخ عبدالله بن زايد آل نهيان، وزير الخارجية والتعاون الدولي بالإمارات، في القمة ضوءاً على الخطوط العريضة للتوجه الإقليمي الجديد؛ فبعد تهنئة وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد بانعقاد المنتدى، ووصفه له بـ«الصديق وليس الشريك فقط»، أوضح أن دول المنطقة تسعى من خلال القمة إلى تغيير الأنماط التقليدية الراسخة في الشرق الأوسط، وخلق مستقبل أفضل. وأشار إلى رغبة المشاركين في الاستفادة والانفتاح على خطوات جديدة خلال أول اجتماع من نوعه في إسرائيل. وأكد أنه حان الوقت للحاق بالركب وخلق علاقات جديدة.

إقرأ أيضاً..خاص | قمة النقب.. مقاربة جديدة في مواجهات التحديات

بيئة جديدة

وأضاف وزير الخارجية «سنخلق بيئة جديدة لأن هذا هو السبيل لمنع الإرهاب والكراهية والعنف. إنه لأمر بالغ بالنسبة لنا ويمكننا أن نقدم الخير في كثير من المجالات. من الواضح لي أن هناك الكثير من الإمكانات والجميع متحمس لها. شكراً جزيلاً لوزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن لإصرار الولايات المتحدة على تحقيق ذلك، وشكراً جزيلاً لكم جميعاً. هذه أول قمة في النقب، ونأمل في مزيد من هذه القمم».

أخبار ذات صلة

عبدالفتاح البرهان: لا نقبل المساعدات المشروطة وعلاقتنا مع إسرائيل لم تنقطع
سقوط طائرة مقاتلة مصرية أثناء تنفيذ إحدى الأنشطة التدريبية

وبعد إدانة عملية الخضيرة الإرهابية، قال وزير الخارجية الأمريكي في كلمته خلال القمة إنه «حري بنا جميعاً مجابهة هذا الإرهاب الضغين». وأشاد بلينكن بالاتفاقات الإبراهيمية، مؤكداً أهمية الحدث الذي يجتمع فيه وزراء الخارجية العرب في إسرائيل، لكنه ألمح في الوقت نفسه إلى أن تطبيع العلاقات ليس بديلاً عن اتفاق سلام مع الفلسطينيين.

أما وزير الخارجية الإسرائيلي يائير لابيد فأشار إلى إشادة تنظيم «الجهاد الإسلامي»، وكذلك «حماس» بعملية الخضيرة الإرهابية، وأكدا أنها تأتي رداً على قمة النقب المنعقدة في إسرائيل. وأضاف: «تهدف التنظيمات الإرهابية إلى إلقاء الذعر في قلوبنا، والحيلولة دون اجتماعنا، ومنع إبرام الاتفاقات فيما بيننا، لكن تلك التنظيمات لن تنجح في تحقيق هذا الهدف؛ فليس لدينا أية نية لمنح الإرهابيين جائزة، ولن نعطيهم فرصة إدارة حياتنا أو تحديد مصيرنا وسياساتنا، وسنواصل طريقنا نحو السلام».

أقرأ أيضاً..خاص | هل تحدث جولة بلينكن اختراقاً في جدار الحياد العربي؟

إعادة صياغة

وشدد وزير الخارجية الإسرائيلي على أن ما يقول لا يمثله أو بلاده فقط، وإنما يجسد موقف جميع المشاركين في القمة، وأضاف: «المؤتمر الذي يجمع بيننا كان ذات يوم بعيد المنال، لكنه تحقق لأنه يتضمن الرؤية التي نحملها لمستقبل منطقتنا، فالتاريخ لا يُكتب وإنما تصوغه الأعمال؛ وما نفعله اليوم هو إعادة صياغة وبناء لواقع إقليمي جديد، يقوم على دعائم التقدم، والتكنولوجيا، والتعاون المشترك». وقال إن «الدول والتنظيمات الإرهابية تخشى تحالفنا؛ فليظلوا خائفين. ولم يوقفهم التردد أو المصالحة، وإنما العزم والقوة والتعاون الاستخباراتي والأمني. إنه الهيكل الجديد المشترك، إنها القدرات التي نبنيها والمؤسسات التي ترعاها. هذا الاجتماع هو الأول من نوعه، لكنه ليس الأخير. لقد قررنا تحويل قمة النقب إلى منتدى دائم، لنعرض على الجميع تغيير طريق الإرهاب والدمار ومشاركتنا مستقبل من التقدم والنجاح».

وبعد استنكار العملية الإرهابية في الخضيرة، انضم وزير خارجية البحرين عبداللطيف الزياني إلى الدعوة للسلام، وقال: «إنه لمن دواعي فخري المشاركة في هذا المنتدى، وأتقدم بالشكر في هذا الخصوص لوزير الخارجية السيد يائير لابيد، وأقول إن هناك حتمية لوقف عمليات «داعش»، و«حزب الله» الإرهابية، وينبغي علينا إيجاد السبل الكفيلة بوقف هذا الإرهاب، ولكي نصل إلى هذا الهدف علينا العمل معاً». وأكد الزياني أن البحرين ستواصل العمل على استئناف المفاوضات بخصوص القضية الفلسطينية، وتواصل احترام الاتفاقات الإبراهيمية، لا سيما أننا «نؤمن بوجود عديد الفرص مع إسرائيل».

اتفاقية أمنية

ونقلت صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبرية عن دوائر سياسية إسرائيلية توقيع البحرين وإسرائيل اتفاقية أمنية فيما بينهما –مذكرة تفاهم– بعد أن أصبحت المملكة خلال الآونة الأخيرة محوراً أمنياً محورياً للغاية لدى إسرائيل، وهو ما أكدت عليه زيارات وزير الدفاع بني غانتس، وقائد الأركان أفيف كوخافي، ورئيس الموساد ديفيد بارنيع للعاصمة المنامة خلال الأسابيع القليلة الماضية.

ويرى مراقبون إسرائيليون أن البحرين التي تقع على بُعد 300 كم فقط من إيران، تمثل جبهة مهمة لتكتل دول المنطقة التي تعتبر إيران التهديد الإقليمي الأكبر، وهو ما خلق فرصة للتعاون بين البحرين وإسرائيل لردع طهران. أما المذكرة التي وقعها البلدان فجرت الموافقة عليها في مدينة المنامة قبل شهرين تقريباً، ويجري تحديثها حالياً على هامش قمة النقب، وتتضمن تنسيقات حول عديد القضايا الأمنية من بينها تبادل المعلومات الاستخباراتية بين البلدين.

إقرأ أيضاً..فلسطين: فتح تكتسح المرحلة الثانية للانتخابات المحلية وتهاجم حماس

رسالة المغرب

وفي حين اعتبر وزير الخارجية المصري سامح شكري قمة النقب «فرصة مهمة» لحلحلة النزاع مع الفلسطينيين، مؤكداً حرص بلاده على وضع حد للإرهاب وأعمال العنف في العالم العربي؛ وجه وزير خارجية المغرب ناصر بوريطة عدة رسائل من قمة النقب، وقال: «باسم الشعب المغربي اسمحوا لي بعرض رسالتين، أولاهما: أن هذه خطوة أخرى في العلاقات بين المغرب والشعب اليهودي؛ فهناك العديد من العائلات التي أتت إلى إسرائيل من المغرب، ورأيتها في مدن النقب، ويروحام، وديمونة. لقد أنجزنا الكثير من الاتفاقات خلال ديسمبر الماضي، وباتت الرحلات الجوية مباشرة بين الجانبين، وبالطبع نريد تحقيق المزيد في المستقبل. أما الرسالة الثانية فهي أننا نؤمن حقاً بالسلام. ليس السلام السلبي، بل السلام الحقيقي الذي يحول دون اندلاع الحروب؛ وهذه رسالة لجميع دول المنطقة. نريد أن نخلق واقعاً جديداً في الشرق الأوسط. إنه أمر ممكن، ويعمل على تحسين حياة ومعيشة المدنيين».

وكان فندق «إسروتيل كادما» في النقب قد استعد منذ أيام لاستضافة وزراء خارجية الإمارات المتحدة، والولايات المتحدة، والبحرين، والمغرب، ومصر. وقال مدير عام الفندق بوعاز تسور إنه جرى اختيار الفندق يوم الخميس الماضي لاستقبال الضيوف، وتلقى قائمة بمطالب الوزراء الخاصة عند الإقامة بالفندق. وأضاف: «كلفنا مندوبين عن الفندق لإحضار منتجات خاصة، ورتبنا مفروشات خاصة، وأكدنا قدرتنا على الاهتمام بكل الطلبات». ومن بين الطلبات الزعتر الصحراوي والطماطم الصفصاف والمشايات وملاءات مصنوعة من القطن المصري الأسود. حتى إن أحد المشاركين طلب جهازاً خاصاً للياقة البدنية. وهناك وجبة غير رسمية للوزراء، مكونة من سمك نقي وبدون كحول بالطبع بدون نبيذ. والفندق بأكمله بات حكراً على فعاليات القمة، لا سيما أنه قرية سياحية صغيرة، جرى تأمينها بشكل خاص».

خدمات لوجستية

أما المتحدث باسم الخارجية الإسرائيلية ليؤور خييت فتحدث هو الآخر عن الاستعدادات التي سبقت انعقاد القمة، مشيراً إلى أن حدثاً بهذا الحجم ينطوي على كثير من الخدمات اللوجستية، فهناك العديد من الأمور التي استوجبت التنسيق مع كل الهيئات المعنية بداية من الغذاء، مروراً بعمليات التأمين الخاصة، وصولاً إلى تقنيات التواصل، وتوفير كل ذلك كان منوطاً بإشراف الخارجية الإسرائيلية.

من جانبه اعتبر سفير إسرائيل لدى الرباط ديفيد غوفرين القمة «حدثاً تاريخياً وفريداً» على حد تعبيره. وأضاف: «ليست الصداقات فقط هي التي تحدد رؤية مشتركة للمشاكل والتحديات، وإنما تشاطرها أيضاً الرؤية والرغبة في الشراكة والبناء والاستقرار والتنمية الاقتصادية». وأضاف غوفرين أن «الرغبة المغربية واضحة جداً، وهناك دعم واضح لتعزيز علاقات السلام مع إسرائيل، وهناك توجيه واضح من الملك محمد السادس الذي يرسم السياسة الخارجية، وبالطبع وزارة الخارجية هي التي تنفذها. نشعر برغبة قوية بين المغاربة لتطوير العلاقات معنا «هناك رغبة قوية أيضاً لدى القادة في تعزيز العلاقة، ونحن نشهد نتائج على أرض الواقع».

وخلص غوفرين إلى أن المغاربة يرون أنفسهم جزءاً من مجموعة دول تعمل من أجل تنمية السلام والاستقرار في المنطقة ضد أولئك الذين يقوضون الوضع الحالي ويسعون لزعزعة الاستقرار وبالطبع إيران على وجه الخصوص. في جميع أنحاء العالم، وبالتأكيد في الشرق الأوسط. وبما أن هذه دول وشراكات صديقة، فإن الهدف هو معرفة كيفية مواجهة هذه التحديات».