أميرة عبدالرحمن

أزمةٌ لم يشهدها قطاع صناعة الخردل منذ 25 عاماً. فمنذ ديسمبر 2021، يعاني محصول بذور الخردل من ضعف الحصاد نتيجة لعوامل التغيرات المناخية، لا سيما الاحتباس الحراري. ومع اندلاع الصراع الروسي الأوكراني في فبراير 2022، زادت حدة الأزمة وزادت مخاوف المنتجين من الافتقار إلى المواد الخام اللازمة لتصنيع الخردل، «المستردة»، التي تعد كل من روسيا وأوكرانيا من أهم موردي بذوره.

تتجه أسعار الخردل فيما يبدو إلى أن تكون باهظة في العديد من الدول جراء نقص البذور الضرورية، رغم أن المُصنّعين في ألمانيا يقولون في الوقت الحالي إنهم لا يتوقعون نقصاً في الإنتاج بعد. وتقول رابطة «كوليناريا» للغذاء في ألمانيا إن أوكرانيا هي أحد أهم موردي بذور الخردل، بالإضافة لروسيا.

خلال أسبوعين

وحتى قبل اندلاع الصراع، كان المحصول سيئاً للغاية نتيجة الجفاف، خاصة في كندا، أكبر منتج للخردل في العالم، بحسب موقع «Teller Report». وإذا عرقل الصراع بين روسيا وجارتها الإمدادات خلال العام، فيمكن أن يواجه المُصنّعون صعوبات في النصف الثاني من هذا العام وفي 2023.

وقال ماركوس فيك، المدير المنتدب لكوليناريا: «من المستحيل حالياً تقدير متى سوف يحدث نقص بالضبط. عادة ما يتم حصد بذور الخردل في الأسبوعين المقبلين». وأضاف أن الصراع يعني أن التركيز في أوكرانيا سيكون على زراعة المحاصيل الضرورية وليس المخصصة للتصدير. وحتى قبل الصراع، كانت هناك مشاكل في سوق بذور الخردل.

أخبار ذات صلة

«تحدٍّ أسرع من الصوت».. فرص المواجهة العسكرية بين أمريكا والصين
توقعات بخسارة ماكرون للأغلبية البرلمانية.. واليمين الفرنسي يصف الاختراق بـ«تسونامي»

فرنسا أيضاً كانت قد عانت من هذا النقص العام الماضي. وتحدث مارك ديسارمينين، رئيس شركة «فالو»، وآخر صانع خردل مستقل في فرنسا يزرع بذوره في محافظة بورغوندي، وسط شرق فرنسا، عن «عجز كبير في المحافظة الفرنسية وصل إلى 50% أقل» من الإنتاج المعتاد، والسبب الرئيسي كان الاحتباس الحراري، حيث شهد شهرا مارس وأبريل في 2021 موجة طقس معتدلة، تلاها صقيع، ما أثر سلباً على المحاصيل.

اقرأ أيضاً.. كيف حققت الهند «نجاحاً استثنائياً» في تصدير الحبوب الغذائية؟

من جانبه، أشار ستيفان لاياني، الرئيس التنفيذي لسوق «رونجيس»، الواقع في في الضواحي الجنوبية لباريس، إلى أن «سعر الخردل أصبح أعلى في السوق بنسبة 10 - 15%، مقابل تراجع الإنتاج». وأردف: «نخشى أن يتحول هذا الوضع إلى أمر طبيعي في بوغوندي».

البهار المفضل للألمان

وقال رئيس رابطة «كوليناريا» إن الدول الأوروبية مثل ألمانيا، حيث الخردل جزء لا يتجزأ من وجبة النقانق الوطنية المعروفة بـ«براتفورست»، تشتري بذور الخردل من كندا أيضاً. وأضاف: «لكن هذا البلد لا يمكنه بالطبع استيعاب كل النقص في السوق العالمي العام الجاري».

وتساءل موقع «The Local» الأوروبي في نسخته الألمانية قبل بضعة أسابيع عما إذا كانت ألمانيا ستشهد نقصاً في الخردل، البهار المفضل للألمان. وقال إن الصراع بين روسيا وأوكرانيا أدى إلى مشاكل في إمداد بعض المواد الغذائية اليومية، لافتاً إلى أن أزمة نقص في الخردل تلوح في الأفق.



وتحدث تقرير «The Local» عن تأثير الصراع غير المباشر على الحياة اليومية للأشخاص حتى خارج أوكرانيا، فقد أدى إلى تفاقم ارتفاع تكاليف الطاقة وأسعار المستهلك، فضلاً عن تحذير الخبراء من تفاقم مشكلات الإمداد لمنتجات أخرى مثل زيت عباد الشمس.

11 % من سوق الصلصات

ولاحظ أصحاب محلات السوبر ماركت في ألمانيا زيادة الطلب على بعض المنتجات مثل زيوت الطهي، ما أدى إلى تقييد المبيعات مؤقتاً بزجاجة أو اثنتين لكل مشترٍ، وذلك بعد أن دفعت المخاوف من نقص البضائع الناس في ألمانيا إلى الذعر وإخلاء الأرفف.

ليس المستهلك فقط، بل يشعر منتجو الخردل بالقلق من نقص إمدادات البذور المستوردة. فالنقص يعني أن الخردل يمكن أن يصبح أكثر كلفة بكثير.

اقرأ أيضاً.. «تأثير الفراشة»: بعد الحبوب والغذاء.. الغزو الروسي المزمع يطال سوق الرقائق

في عام 2020، استوردت ألمانيا إجمالي 38320 طناً من بذور الخردل، بينها نحو 51 % من روسيا، ونحو 27 % من أوكرانيا، ونحو 10% من كندا، و4% من إستونيا و6% من دول أخرى. ومن ثم، تم إنتاج ما يقرب من 81000 طن خردل بقيمة بلغت نحو 167 مليون يورو، في هذا البلد العاشق للمستردة.

رغم ذلك، فإن استهلاك الخردل في ألمانيا آخذ في الانخفاض، بحسب رابطة «كوليناريا». فقد بلغ نصيب الفرد نحو 1.18 كجم في عام 2010، مقابل 805 جم للفرد في 2022.

يذكر أن الخردل يمثل وحده ما يقارب 11% من إجمالي سوق الصلصات في ألمانيا. وما زالت صوامع الكثير من المنتجين تحتوي على مخزون جيد منه.

عشاق النقانق ربما سيضطرون لدفع أضعاف ثمن الخردل مستقبلاً.

نقانق بلا خردل!

وفي الوقت الحالي، يرى منتجو الخردل أن الألمان المشهورين بحبهم للنقانق والتي يعتبرونها جزءاً أصيلاً من نظامهم الغذائي ربما لن يضطرون إلى الاستغناء عن الخردل كبهار لشطيرتهم المفضلة، لكنهم ربما سيضطرون إلى أن يدفعوا أضعاف ثمنه مستقبلاً. وتشير البيانات إلى أن كل ألماني يأكل نحو 30 كجم من النقانق سنوياً.

وقالت رابطة «كوليناريا»: «من وجهة نظر الرابطة، سيكون سوق الخردل في 2023 أكثر صعوبة، حيث لا يمكننا حالياً تقدير كمية بذور الخردل التي ستكون متاحة في السوق العالمي خلال العام». وأضاف أن النقص يمكن أن يؤدي لفشل بعض التجار الأفراد.

وتعد الولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا بين أكبر مستوردي بذور الخردل في العالم. وجاء نحو 52% من واردات بذور الخردل الألمانية من روسيا في 2020، بينما جاء 6ر27% من أوكرانيا، بحسب الرابطة. وشكل الموردون الكنديون أكثر بقليل من 10% من الواردات.