أميرة عبدالرحمن

عابراً خلف كلابه البوليسية، شق نجل الدكتاتور الفلبيني الراحل فرديناند ماركوس، الملقب بـ«بونغ بونغ»، طريقه إلى صندوق الاقتراع، للإدلاء بصوته في الانتخابات الرئاسية، الاثنين، وبصحبته شقيقته، ووالدته إيميلدا، أرملة الدكتاتور، الشهيرة البالغة من العمر الآن 92 عاماً، فيما كان باقي الناخبون يصطفون في الحر، حاملين مراوحهم النقالة، داخل مركز انتخابات مدينة باتاك، معقل عائلة ماركوس.

يتنافس بونغ بونغ أمام 9 مرشحين لخلافة الرئيس الحالي رودريغو دوتيرتي، لكنه -بحسب مراقبين- الأوفر حظاً للفوز بالرئاسة في بلد ما زالت تهيمن عليه بضع عائلات، وبالتالي الثأر لأسرته، بعدما أمضت نحو 40 عاماً في المنفى.

وإلى جانب بونغ بونغ، تترشح ابنة دوتيرتي في حملته كنائبة للرئيس. ورغم الإطاحة بالدكتاتور الفلبيني السابق عام 1986 في ثورة شعبية، يثير الحكم السلطوي الحالي لدوتيرتي خشية الكثيرين من نجاح حملة ماركوس الابن، الذي عمد إلى استغلال الوضع السياسي الحالي واللعب على وتر الحنين، بحملة «تضليل» غسل خلالها صورة والده، ورسم فترة حكمه باعتبارها «عصراً ذهبياً»، بحسب تقرير لمجلة «ذا نيشن» الأمريكية الأسبوعية.

بل تذهب التوقعات لحد توجس نهج أكثر تشدد لبونغ بونغ (64 عاماً) من والده، حال حقق فوزاً ساحقاً بأكثر من نصف الأصوات، إذ سيكون أول مرشح رئاسي ينتخب بغالبية مطلقة منذ الإطاحة بوالده، رغم إدانته سابقاً بمخالفات ضريبية لم يسددها عن الميراث.

أخبار ذات صلة

زيادة صادرات الصين من السيارات الكهربائية أكثر من الضعف
الصين تحتاط لفساد أقارب المسؤولين بتوسيع قواعد حكومية

أكسفورد وفيراري

عاد بونغ بونغ إلى الفلبين عام 1991، وأصبح عضواً في الكونغرس، وسيناتوراً، وحاكماً إقليمياً قبل ترشيحه لمنصب نائب الرئيس عام 2016. ماركوس، الذي كان يقود سيارة فيراري وهو لا يزل بعد طالباً، حصل على مقعده في أكسفورد، لكنه فشل مرتين في الامتحانات، ما دعا إلى تخفيض درجته الأكاديمية. مع ذلك لم يمنعه هذا من الادعاء لسنوات أنه تخرج في الجامعة البريطانية العريقة بدرجة في الفلسفة والسياسة والاقتصاد، الأمر الذي يدلل به معارضوه على عدم النزاهة المتأصلة في عائلته، ويرونه نموذجاً لعلاقة عائلة ماركوس مع الحقائق.

رسخ ماركوس الابن عودته إلى الحياة السياسية طوال تلك الأعوام بتكريس فكرة أن احتجاجات 1986 برمتها والتي أطاحت بماركوس كانت مدبرة من قبل الـ«سي آي إيه»، جهاز الاستخبارات المركزية الأمريكية، ما أثار حالة من عدم اليقين بين ثوار الأمس الذين يشعر الكثيرون منهم الآن -بعد أن بلغوا من العمر أرذله- أنه تم التلاعب بهم عندما كانوا شباباً في ثمانينيات القرن الماضي.

تحضيراً لهذه الانتخابات، انقسم الفلبينيون بين صورتين إحداهما راسخة في ذاكرة الثوار لماركوس كدكتاتور وحشي انتهج الترهيب والتعذيب والقتل، والأخرى جرى رسمها عبر محتويات تنشر تدريجياً منذ فترة طويلة عبر شبكة الإنترنت لـ«زعيم خير تعرض للظلم والعزل من قبل قوى أجنبية»، بحسب «ذا نيشن».

اقرأ أيضاً.. روسيا في «يوم النصر».. الحرف Z يزين السماء وبوتين يلقي خطاباً طال انتظاره

سي آي إيه

ويرى مؤرخون أن الصداقة التي كانت تربط ماركوس والرئيس الأمريكي الأسبق آنذاك رونالد ريغان تجعل من هذا الفرضية بعيدة. فمن منطلق حرصها على قواعدها العسكرية في الأرخبيل، واصلت الولايات المتحدة توجيه السياسة الفلبينية وتمويل حملات مرشحي رئاسة بأعينهم لعقود من الزمن، لضمان دعمهم لمصالحها الاستراتيجية، حتى بعد تخليها عن سيطرتها الاستعمارية على الفلبين عام 1946.

ومع وصول ماركوس إلى السلطة في عام 1965، سرعان ما تودد إليه مسؤولو البيت الأبيض لمشاركتهم في حرب فيتنام. غير أن تقريراً لوزارة الدفاع الأمريكية (البنتاجون) صدر قبل أشهر من الثورة في الفلبين أعرب عن قلقه من أن المعارضة المتزايدة قد تسمح للمتمردين الشيوعيين بالانقلاب على ماركوس، ما يهدد بطرد القواعد الأمريكية للخارج إلى الأبد.

منذ ذلك الوقت وبعد سلسلة من الحوادث المتعلقة بحقوق الإنسان، استمرت واشنطن في دعم ماركوس لكنها اضطرت إلى أن تحثه في النهاية على مراعاة حقوق الإنسان في بلاده ثم على التنحي عن السلطة في عام 1986. لكنها حرصت في الوقت نفسه على نقله هو وعائلته إلى خارج البلاد في طائرات هليكوبتر أمريكية أقلتهم إلى منفاهم في هاواي.

أحذية إميلدا

لم تنسَ إميلدا ماركوس، في خضم ذلك، جمع ممتلكاتها الثمينة ومجوهراتها ونقودها وأعمال الرسام الفرنسي مونيه، التي شحنتها في نحو 300 صندوق تم تحميلها على طائرتين، فضلاً عن شهادات إيداع مصرفية وسندات ملكية لمقتنياتهم في الخارج.

كانت عائلة ماركوس خلال مدة حكمها التي استمرت 21 عاماً قد اشتهرت إلى جانب الفساد، بالإسراف. وليس أدل على ذلك من اقتناء إميلدا، التي عرفت بإنفاقها الباهظ لـ3000 زوج من الأحذية لم تكتشف سوى بعد سقوط النظام، لتصبح الرمز الأكثر شهرة لبذخها. ولم يكن ذلك سوى قمة جبل الجليد لممتلكاتهم. فحتى الآن، ما زالت حساباتهم البنكية السرية مخبأة حول العالم.

اقرأ أيضاً.. كوريا الجنوبية.. خطة لإقامة «لوس أنجلوس» مصغرة أمام «البيت الأزرق» الجديد

ونشرت صحيفة «ديلي ميل» البريطانية تقريراً قالت فيه إن «الزوجين الدكتاتوريين» جمعا خلال فترة الحكم ثروة مذهلة. وكانت إميلدا، التي توصف بأنها «صعبة» و«غير لبقة» و«غير مراعية»، تعشق العلامات التجارية الأوروبية الفاخرة التي كانت تصلها أسبوعياً إلى القصر الرئاسي. وبينما كانت العائلة تعيش مرفهة على محفظة الدولة، كان الاقتصاد الفلبيني مصاباً بالركود وتضخم فجوة الدخل بين الأغنياء والفقراء.

ويخشى منتقدو ماركوس أن صعوده لرأس السلطة سيقضي على أي آمال في استعادة الممتلكات غير المشروعة لدى الأسرة، لا سيما أنهم يرون أنه لا يترشح لانتخابات الرئاسة من أجل استرداد اسم عائلته فحسب، بل إنه يهدف إلى ضمان بقاء حصانتهم من المحاكمة السارية.

وأشارت الصحيفة البريطانية إلى أن الفوز المحتمل لـ«ابن إيميلدا»، التلميذ السابق في مدارس بريطانيا، سيكون بمثابة واحد من أكثر وقائع «العودة السياسية» استثنائيةً على مر العصور.