أ ب

يحتاج مارتن كوف إلى الغاز الطبيعي لإدارة مصنع عائلته، «زنك باور غمب إتش»، الذي ينتج مكونات الفولاذ المقاوم للصدأ في غرب ألمانيا.

يعمل مصنع "زنك باور”، الواقع بضواحي مدينة بون، بالغاز للحفاظ على 600 طن من الزنك بقيمة 2.5 مليون يورو (2.5 مليون دولار) في حالة انصهار دائم. وانقطاع الغاز يعني تحول المعدن إلى الحالة الصلبة مرة أُخرى، وهو ما يؤدي إلى تدمير الخزان، حيث تغمر القطع الفولاذية فيه قبل أن ينتهي بها المطاف في أنظمة تعليق السيارات والمباني والألواح الشمسية وتوربينات الرياح.

ومع مرور ستة أشهر على بداية حرب روسيا وأوكرانيا، تُلقي عواقب هذه الحرب بظلالها الكئيبة على الاقتصاد العالمي، بما في ذلك شركات مثل "زنك باور”، التي يعمل بها 2800 شخص.

المشكلة بالنسبة لمثل هذه الشركات ليست في ارتفاع تكلفة أسعار الغاز فحسب، بل عدم توافره مطلقاً، في حال أوقفت روسيا إمداداتها عن أوروبا رداً على العقوبات الغربية، أو إذا لم تتمكن منشآت التخزين من استقبال ما يكفي لفصل الشتاء.

قد تضطر ألمانيا إلى فرض تقنين الغاز الذي قد يشلّ قطاعاً عريضاً من الصناعات، بداية من صناعة الصلب مروراً إلى المستحضرات الطبية إلى المغاسل التجارية.

أخبار ذات صلة

معرض دبي للطيران 2023 ينطلق الاثنين.. ماذا ننتظر؟
بريطانيا: حظر أدوات المائدة البلاستيكية ذات الاستخدام الواحد اعتباراً من أكتوبر

وقال كوف، الذي يرأس أيضاً الرابطة الألمانية لشركات جلفنة الزنك، ”إذا قالوا سنقطع عنكم الغاز، فهذا يعني دمار جميع آلاتي”.

تشعر الحكومات والشركات والأُسر في جميع أنحاء العالم بالآثار الاقتصادية للحرب بعد عامين فقط من تفشي جائحة فيروس كورونا الذي أحدث أضراراً واسعة بالتجارة العالمية.

ومع ازدياد معدلات التضخم يتوقع أن يتسبب الارتفاع الصاروخي في أسعار الطاقة في زيادة الاحتمالات بمواجهة أوروبا شتاء بارد ومظلم. وتقف أوروبا على شفا الركود.

كما يتوقع أن يؤدي ارتفاع أسعار المواد الغذائية ونقصها، الذي تفاقم بسبب قطع شحنات الأسمدة والحبوب من أوكرانيا وروسيا التي تستأنف ببطء، إلى انتشار الجوع والاضطراب في العالم النامي.

ارتفاع الأسعار

بضواحي العاصمة الأوغندية كمبالا، قالت راشيل غاميشا إن الحرب الروسية في أوكرانيا البعيدة أضرت بعملها في البقالة. وقد شعرت بالأمر في ارتفاع أسعار الضروريات مثل البنزين، حيث يُباع الغالون مقابل 6.90 دولارات. والغرض الذي كان يُباع بنحو 2000 شلن (حوالي 16.70 دولار) هذا الأسبوع سيُباع بنحو 3000 شلن (25 دولاراً) الأسبوع المقبل.

وقالت راشيل ”يجب أن تغلّ يدك. قُم بشراء بعض الأغراض التي ترتفع أسعارها فقط".

ولاحظت راشيل شيئاً آخر أيضاً، ظاهرة تُسمى ”الانكماش”، السعر قد لا يتغير، لكن الدونات التي كانت تزن 45 غراماً تزن الآن 35 غراماً فقط. والخبز الذي كان يزن كيلوغراماً واحداً أصبح الآن 850 غراماً.

تشاؤم

دفعت الحرب صندوق النقد الدولي الشهر الماضي إلى خفض توقعاته للاقتصاد العالمي للمرة الرابعة في أقل من عام. وتوقع الصندوق نمواً بنسبة 3.2% هذا العام، في انخفاض عن توقعاته 4.9% في يوليو 2021 مقارنةً بتوقعات العام الماضي القوية التي بلغت 6.1%.

وإلى هذا، قال بيير أوليفييه جورنشاس، كبير الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، ”ربما يتأرجح العالم قريباً على حافة ركود عالمي، بعد عامين فقط من الركود الأخير”.

وقال برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إن ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة ألقى 71 مليون شخص في أنحاء العالم في آتون الفقر خلال الأشهر الثلاثة الأُولى من الحرب.

وكانت دول منطقة البلقان ودول جنوب الصحراء في أفريقيا الأشد تضرراً.

وتوقعت منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة (فاو) معاناة نحو 181 مليون شخص في 41 دولة من أزمة جوع هذا العام.

رفع الأسعار

في بانكوك، أجبر ارتفاع تكاليف اللحم والخضروات والزيت، واروني ديجاي، وهي بائعة أغذية في الشوارع، على رفع الأسعار وتقليص عدد العاملين والعمل لساعات أطول.

وقالت ”لا أعرف كم من الوقت يمكنني الاحتفاظ بسعر طعامي في متناول الجميع. الخروج من عمليات إغلاق كوفيد ومواجهة هذا أمر صعب. والأسوأ من ذلك، لا أرى نهاية للأمر”.

فحتى قبل أن يأمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ببدء الدخول لأوكرانيا، كان الاقتصاد العالمي يرزح تحت الضغط. فارتفع معدل التضخم بشكل كبير، وسببه أن الانتعاش الأقوى من المتوقع نتيجة الركود الوبائي تسبب في حالة من الإرباك للمصانع والموانئ وساحات الشحن؛ ما تسبب في تأخير وصول السلع ونقصها وارتفاع الأسعار. ورداً على ذلك، بدأت البنوك المركزية في رفع أسعار الفائدة في محاولة لتهدئة النمو الاقتصادي وترويض الأسعار المرتفعة.

وفي الإطار، قال روبن بروكس، كبير الاقتصاديين في المعهد الدولي للتمويل، ”لدينا جميعاً كل هذه الأشياء المختلفة تحدث. ارتفاع تقلب التضخم، وارتفعت تقلبات النمو. وبالتالي، أصبح بات من العسير على البنوك المركزية قيادة السفينة”.

أما الصين، التي فرضت سياسة ”صفر كوفيد”، فطبقت عمليات إغلاق أضعفت بشدة ثاني أكبر اقتصاد في العالم.

وفي الأثناء، ما تزال العديد من البلدان النامية تكافح بسبب الجائحة والديون الثقيلة التي لجأت إليها لحماية مواطنيها من كارثة اقتصادية.

كل هذه التحديات كان من الممكن التعامل معها. لكن عندما دخلت روسيا لأوكرانيا في 24 فبراير الماضي، رد الغرب بفرض عقوبات شديدة. وأدى كلا الإجراءين إلى تعطيل التجارة في مجالَي الغذاء والطاقة.

جدير بالذكر أن روسيا هي ثالث أكبر منتج للبترول في العالم ومصدر رئيسي للغاز الطبيعي والأسمدة والقمح. وتطعم المزارع في أوكرانيا الملايين حول العالم.

وانتشر التضخم الناتج عن ذلك في العالم كله.

الأسر أشد تضرراً

بالقرب من جوهانسبرغ بجنوب أفريقيا، كانت ستيفاني مولر تقارن الأسعار عبر الإنترنت وتتحقق من متاجر البقالة المختلفة للعثور على أفضل الصفقات.

وقالت ستيفاني ”لدي ثلاثة أطفال جميعهم في مراحل التعليم، لذلك كنت أشعر بالفرق”.

وقالت بوي ثو هونغ، التي كانت تتسوق في أحد أسواق العاصمة الفيتنامية هانوي، إنها تحد من إنفاقها وتقلل من وجبات العشاء في عطلة نهاية الأسبوع. على الأقل هناك ميزة واحدة للطهي في المنزل مع أطفالها، ”يمكننا أن نتواصل معهم أكثر في المطبخ، مع توفير المال في نفس الوقت”، على حد قولها.

حذر وزير الزراعة الإندونيسي سياحرول ياسين ليمبو هذا الشهر من أن سعر المعكرونة سريعة التحضير، وهي سلعة أساسية في الدولة الواقعة جنوب شرقي آسيا، قد يتضاعف ثلاث مرات بسبب تضخم أسعار القمح.

وفي ماليزيا المجاورة، عبر مزارع الخضروات جيمي تان عن أسفه لأن أسعار الأسمدة ارتفعت بنسبة 50%. كما أنه يسدد أموالاً أكثر مقابل الإمدادات مثل الأغطية البلاستيكية والحقائب والخراطيم.

وفي كراتشي بباكستان، بعيداً عن ساحات القتال في أوكرانيا، يعمل كامران عارف في وظيفة ثانية بدوام جزئي لزيادة دخله.

وقال ”لأننا لا نسيطر على الأسعار، يمكننا فقط محاولة زيادة دخلنا”.

يعيش الغالبية العظمى من المواطنين في فقر بباكستان، التي فقدت عملتها ما يصل إلى 30% من قيمتها مقابل الدولار، وحيث رفعت الحكومة أسعار الكهرباء بنسبة 50%.

ويقول محمد شكيل، الذي يعمل في الاستيراد والتصدير، إنه لم يَعُد بإمكانه جلب القمح والحمص الأبيض والبازلاء الصفراء من أوكرانيا.

ويضيف ”الآن بعد أن أصبح علينا الاستيراد من دول أُخرى، يتعيّن علينا الشراء بأسعار أعلى”، أحياناً بزيادة نسبتها من 10 إلى 15%.

العقارات والتجارة

في ظل تغذية الحرب للتضخم، ترفع البنوك المركزية أسعار الفائدة في محاولة لإبطاء زيادات الأسعار دون عرقلة النمو الاقتصادي.

أضرت الزيادة الناتجة في أسعار الفائدة على القروض بشركات مثل "فلورينغ ستورز”، وهي شركة في نيويورك تساعد الزبائن في العثور على مواد الأرضيات والمقاولين. وانخفضت المبيعات لأن عدداً أقل من مالكي المنازل يقترضون لسداد تكاليف تحسينات المنزل.

وفي السياق، قال المدير التنفيذي للشركة تود سوندرز،”تمول نسبة كبيرة من زبائننا مشروعاتهم بقروض شراء المساكن ومنتجات مماثلة، ما يعني أن ارتفاع أسعار الفائدة قضى على أعمالنا فعلاً. التضخم لم يكن مفيداً، لكن أسعار الفائدة كان لها تأثير أكبر”.

تلقت أوروبا، التي اعتمدت لسنوات على النفط والغاز الطبيعي الروسي في اقتصادها الصناعي، ضربة قاصمة. وتواجه التهديد المتزايد بالركود، حيث يخنق الكرملين تدفقات الغاز الطبيعي المستخدمة لتدفئة المنازل وتوليد الكهرباء وتشغيل المصانع.

وزادت الأسعار بمقدار 15 ضعفاً مما كانت عليه قبل أن تحشد روسيا قواتها على الحدود الأوكرانية في مارس 2021.

وإلى ذلك، قال آدم بوسن، مدير معهد بيترسون للاقتصاد الدولي وصانع السياسة السابق في بنك إنجلترا، إن ”هناك الكثير من مخاطر الركود والضغوط في أوروبا أكثر من بقية الاقتصادات ذات الدخل المرتفع”.

ولم تنج روسيا من هذه الأضرار، حيث يتوقع صندوق النقد الدولي أن ينكمش اقتصادها بنسبة 6% هذا العام.

وفي هذا الصدد، أشار سيرغي ألكساشينكو، الاقتصادي الروسي الذي يقيم الآن في الولايات المتحدة، إلى أن مبيعات التجزئة في البلاد تراجعت بنسبة 10% في الربع الثاني مقارنة بالعام الذي سبقه مع تقلص المستهلكين.

وأضاف ”ليس لديهم أموال لينفقوها”.