سارة مطر

لقد شعرت بالسعادة الكبرى حينها، برغم أني لم أعد أحب الدراسة ولا أفكر بعد أن حصلت على شاهدتي البكالوريوس أن أحصل على المزيد، كنت أريد أن أخرج من ثوب الطالبة، وكنت أريد أن أتعلم شيئاً جديداً أحبه ويبدو غريباً إلى حد ما في مجتمعي الذي أعيش فيه.

في الورشة التي عليّ أن أحضرها كل أسبوع في قاهرة المعز، في أول لحظة جلست بها على الكرسي، ظللت صامتة أتطلع إلى الوجوه بكثير من الحب، كان علينا أن نخبر الدكتور المحاضر أسماءنا ومن أين أتينا، وكنت أنا أبحث عن شيء جديد في الوجوه المختلفة، كانوا بالنسبة لي أشخاصاً في غاية اللطف، والتميز، كما وأنهم أكثر تهذيباً مني على ما يبدو وأكثر ثقافة.

توقفت أمام سيدة من اليمن الشقيق وهي تعرف بنفسها، إذ قالت إن اسمها «أبها»، شعرت باضطراب في قلبي، فاسمها أحد مناطق وطني الواقعة في الجنوب، فكيف ليمنية أن يكون اسمها «أبها»، تماماً كما سمى اللاعب الشهير محمد صلاح ابنته الوحيدة «مكة»، شعور بهي لا يمكنك الاكتفاء منه، وأنت ترى أسماء مدن وقرى وطنك هوية لآخرين لم يعيشوا حتى بها.

أصررت في اليوم التالي على الجلوس مع السيدة اليمينة «أبها»، وسؤالها عن سبب تسميتها، وكانت الإجابة جميلة ورقيقة فقد كان والدها المثقف والواعي، قد غرق في روح السفر والمدن المليئة بالأشجار والغابات والحياة المختلفة، وكان أن زار «أبها» وراقت له، فقرر تسميه ابنته بالمدينة البهية الواقعة في جنوب السعودية، ولكن «أبها» كانت تنزف حرقة وألماً حينما سئلت عن سبب مجيئها إلى مصر، فقالت «جئنا هرباً من الحوثيين»، لقد شعرت بألمها وحزنها، وشعورها المرير بالغربة، وكيف أنها لم تتصور أن شعبها الطيب الذي يكره تنظيمات إرهابية على شاكلة «داعش» يصبح بين ليلة وضحاها يتبنى الفكر المارق، وأضافت وهي تنظر إلينا جميعاً «هل تصدقون، خرج أناس كنا نعتقد أنهم متفتحون في أفكارهم وأنهم مع أن تكون اليمن دولة عظيمة، لنكتشف أنهم قد تحوّلوا إلى حوثيين فجأة»، وهذا أكثر ما صدمها.

وقد قرأت في وقت سابق إن إدارة ترامب تدرس تصنيف المتمردين الحوثيين في اليمن كمنظمة إرهابية، وكجزء من حملة لإنهاء الحرب الأهلية في البلاد والضغط على إيران للحوثيين، وحينما قرأت الخبر لـ «أبها» شعرت بالفرح يملؤها، وقالت ليفعلوا بهم ما يشاؤون، فهم يستحقون أن يرحلوا عن اليمن بأي طريقة، فنحن كنا نقف دوماً ضد الإرهاب ويجب على العالم أن يعرف أن اليمنيين المخلصين، يرفضون تماماً وجود هذه المنظمة الإرهابية بل ويتمنون زوالها على الفور.

s.matar@alroeya.com

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟