خالد عمر بن ققه

حين بدأ أصحاب «السترات الصفراء» في فرنسا احتجاجاتهم لم يكن مُتوقَّعاً تحولهم بعد ثمانية أشهر، تقريباً، من احتشادهم في الشارع إلى حركة قادرة على المواجهة والاستمرارية والتأثير داخل فرنسا وخارجها، كما لم يكن لافتاً اختيار «السترة الصفراء» رمزاً لهم، مع أن ذلك مؤسساً منذ عام 2008.

خلفيات وأسباب كثيرة أدت إلى خروج هذه الحركة إلى الشارع الفرنسي، من أهمها: الخوف من تآكل أو غياب الطبقة الوسطى، وهنا يبدو التداخل من ناحية التفاعل الإنساني العام مع شروط العولمة، حيث تختفي تلك الفروقات الجوهرية بين مجتمعات الدولة المتقدمة، ودول العالم الثالث لجهة الموقف من التوحش الرأسمالي، وتغوُّل العولمة.

ومثلما هناك شكوك في دول العالم الثالث من كل قرار تتخذه السلطات، هناك أيضاً شكوك مماثلة من قرارات قادة الدول المتقدمة، والحالة الفرنسية مثال، حيث يرى المتظاهرون أن سياسة الحكومة الحالية تفقر الفقير، وتثري الغنيّ، وهذا يحول دون تحقيقها لخططها ومشاريعها، وقياساً على المثال الفرنسي، نرى أن المجتمعات المعاصرة ـ مهما تباينت أساليب العيش فيها ـ تحركها المطالب نفسها، ومن خلالها تقيس صلاحية الأنظمة من عدمها، وإن اختلفت في ردود أفعالها، ومدتها الزمنية.

من ناحية أخرى، فإن بعض المحتجين في فرنسا اتَّخذوا مسلك الحركات الاحتجاجية في دول العالم الثالث نفسه، من حرق، وتخريب وإتلاف، واستعمال العنف ضد المارَّة أحياناً، والتصدي لقوات الأمن بعنف مماثل، كما أن قوات الشرطة وأجهزة الأمن ردت بأسلوب مقارب لمثيلاتها في الدول المتخلفة، وعلى الرغم من صعوبة المقارنة لوجود اختلافات بيّنة تتعلق بمنظومة حقوق الإنسان والممارسة الديمقراطية وتأثيرها من ناحية رد الفعل على الاحتجاجات، إلا أن الواقع أثبت أن الحكومات تقوم ـ في رد فعلها ـ بالسلوك نفسه حين يتعلق الأمر بالبعد الأمني للدولة، هنا بالطبع تتداخل شرعية النظام الحاكم، مع مشروعية الدولة.

هكذا إذن، تبدو دول العالم ـ المتقدمة والمتخلفة ـ ضحية تغطرس العولمة وسيطرة اقتصاد السوق، ولذلك تتحرك شعوبها في مسار واحد للتغيير، ومهما تنوعت الأهداف أو اختلفت وتعددت، فإن الدول الغربية انطلاقاً من فرنسا تشهد تغيرات كبرى، تشي بأن العقد المقبل سيمثل زمن الرفض، وسيُوَاجه بأساليب «عالم ثالثيَّة»، والشَّاهد على ذلك رد فعل الحكومات على المستوى الأمني في كل من: فرنسا، وبريطانيا، وإسبانيا، وإيطاليا.

k.benguega@alroeya.ae

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟