باسمة أبو شعبان

هناك محطات على الطريق في مسيرة كلٍّ منا، تمر الأيام تلو الأيام لا نوليها اهتماماً ولا نلتفت لها، لكننا في بعض الأحيان نمر بظرفٍ، أو نشاهد مشهداً أو نلتقي فرداً، أو نجد بأي حالٍ من الأحوال ما يستوقفنا، فننظر لمرآة أنفسنا، نغوص في أعماق الذاكرة، كم هي عميقة، عمقاً ليس له معيارٌ لقياسه، لا يُقاس بالسنتيمتر ولا بالمتر، ولا نزنه بميزان، لا بالكيلو ولا الباوند، ولا بجهاز قياس الضغط أو الحرارة أو السعرات، فالذاكرة أوضح نموذج للأمور المعنوية المجردة التي لا يمكنك الإمساك بها أو لمسها، أو فتحها بمفتاح ولا مزلاج، لكنها مليئة بصورةٍ ثرية وغزيرة، وهي من أكثر أمور الحياة تأثيراً بنا، فهي المحرك لانفعالاتنا وأفكارنا، لسلوكنا وتصرفاتنا، لعواطفنا ومشاعرنا، لمخاوفنا وعقدنا، لفرحنا وغبطتنا.

كثيراً ما تحرضنا على ترك زمننا والرجوع إلى الماضي بخيالنا، فيتولد الحنين أو الندم، وقد يثير محتواها رغبة عارمة بالانتفاضة وتغيير مسارنا، وكثيراً ما تفرض علينا أن نمسك بغربانٍ معنويٍّ أو افتراضي هو الآخر، فنغربل المعارف، والمواقف، ونقوم بحملة تصفية، واهمين بأننا سوف نتخلص مما سقط من الغربال بلا رجعة، لكنه يتسرب مختبئاً في غفلة منا، فيطل برأسه بعد حين، فنسرع هاربين منه، ندفعه بكل قوانا كي يختفي عن أنظارنا، لا نريد النظر إليه، نفعل ذلك بإنكارٍ عنيدٍ لوجوده، لا نرغب في الاعتراف به، بعد أن حسبناه سقط، رحل، غاب نهائياً.

الإنسان السوي؛ هو القادر على المواجهة، والوقوف أمام مرآة نفسه معترفاً بكل محتواها، غير مُنْكِر، فلا نتألم بأثرٍ رجعي، الأمور التي ننكرها حدثت وانتهت، شئنا أم أبينا، والأفضل عوضاً عن إنكارها، أن نعتبرها خبرات الجدير بنا أن نتعلم منها، لنقضي يومنا الذي نعيشه أكثر توافقاً مع ذواتنا، وأذكى قيادة وإدارة لأنفسنا.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

b.shaban@alroeya.com