مصطفى طوسه

تواجه الدول الأوروبية هذه الأيام إحدى أخطر وأعقد الأزمات التي تمخضت عنها هزيمة داعش العسكرية، وتكمن ملامح هذه الأزمة في طريقة التعامل مع المواطنين الأوروبيين وعائلاتهم الذين استجابوا لنداء داعش وانخرطوا في مشاريعه الإرهابية، وما زاد هذه الأزمة زخماً كبيراً وطابعاً استعجالياً غير مسبوق موقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عندما حذر الدول الأوروبية من أنه وعلى خلفية الانسحاب العسكري الأمريكي من سوريا، قد يضطر لإطلاق سراح هؤلاء الإرهابيين الأوروبيين المعتقلين من طرف الأكراد في سوريا والعراق في حال لم يتم استعادتهم من طرف بلدانهم الأصلية.

على إثر هذا التهديد أصيبت أوروبا بنوبة غضب باردة، حيث اعتبرت أن هذا الموقف الأمريكي الضاغط يعتبر ضربة من الخلف، هدفها الأساسي هو إحراج هذه الدول الأوروبية وإرغامها على اتخاذ تدابير تتناقض تماماً مع القيم والمعايير التي بني عليها نموذجها الديمقراطي، وتجاوباً مع التحذير الأمريكي سارعت هذه الدول الأوربية لتقديم حلول فردية بعيدة كل البعد عن المقترحات الأمريكية، ففرنسا ـ مثلاً ـ أكدت أنها ستتعامل مع كل حالة على حدة بعيداً عن الأضواء الإعلامية، في حين قالت ألمانيا: إن عودة هؤلاء المواطنين يجب أن تمر عبر القنوات القنصلية، فيما ارتفعت أصوات في بلجيكا تطالب السلطات بتجريد هؤلاء المواطنين الإرهابيين من جنسياتهم البلجيكية كوسيلة للقضاء على الإشكالية من أصلها، والجميع يحبذ أن يحاكم هؤلاء في المسارح التي ارتبكوا فيها جرائمهم أي سوريا والعراق.

هذه الدول الأوربية ترفض رفضاً قاطعاً المشاهد التي تظهر الآلاف من الإرهابيين وهم يحطون الرحال في المطارات الأوروبية أو في قوافل حافلات مليئة، وهم يعبرون الحدود التركية الأوروبية متوجهتين إلى بلداتهم، لأن هذه الصور والمشاهد من شأنها أن تخلق جواً من الرعب والفزع في الرأي العام الأوروبي المصدوم أصلاً من العمليات الإرهابية التي ضربته في السنوات الأخيرة ومن ضغط عامل الهجرة الذي أصبح يهدد أمنه الاجتماعي وتوازنه السياسي.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

وتعِد السلطات الأوروبية بمحاكمة كل من وصل إلى ترابها، لكن حتى هذا الحل يواجه عقبات تكمن في ممارسة ضغط إضافي على السجون الأوروبية، التي يتهمها البعض بأنها أصبحت تسهم في نشر الفكر المتطرف في أوساط السجناء، وتحويلهم إلى مشاريع إرهابية.تحبذ الدول الأوروبية محاكمة الإرهابيين في سوريا والعراق