محمد محمد علي

كاتب وباحث موريتاني

يقول ديمقريطس إنَّ التغيُّر هو القانون الكوني الوحيد الذي لا يَتَغيَّر، ومع ذلك فإنَّ كثيراً من الْـمُصلِحين، كما يقول كارل بُوبر، لا يَسعون للتغيير؛ بل لإبقاء مؤسَّسات معيَّنة ثابتة كما هي. فمِن سُقراط إلى ماركس سَعَا المصلحون، كما يقول، إلى خلق مؤسَّسات لا يَنالها ناموسُ التغيُّر. فمُثُلُ أفلاطون عودةٌ إلى الماضي الذَّهبي لأثِينَا حينَ كانت تحكمها الآلهةُ أو أنصافُها من البشر. فأفلاطون يُحاول إعادةَ إنتاجِ المدينة الفاضلة على صورة تلك الْـمُثُل. وحين تَتَحقَّق هذه المدينة؛ فإنَّ نِظَامَها يجب أن يَسْتَمِرَّ دون تغيير.

ومُثُلُ ماركس «المادية» ـ إن صَحَّ التعبير ـ هي خَلْقُ مؤسَّسات ثابتة لا تَتَغيَّر، بعد تَحطِيم النظام الرأسمالي الذي تَتَصارع فيه طبقةُ العمال (البروليتاريا) والطبقة الرأسمالية (البرجوازية). الأولى تسعى لتَحْطِيم أغلالها، والثانية لِحِفْظ مصالحها. وحينَ تَنتَصِر «البروليتاريا» وتَتَحَقَّق االشيوعيةُ تزولُ عواملُ الصِّراع ويعيش الناس في «مدينة فاضلة» لا تَتَغيَّر.

والتَّغَيُّرُ مفهومٌ مُحايِدٌ قد يكون إلى الأمام فهو «التطور» أو «التقدم»، أو إلى الوراء فهو «التأخُّر». وعلينا أن نختار. إنَّه قانونٌ كوني، إذَا لَمْ تَأتِه فسيأتيك؛ لا مَهْربَ منه إلا بالسعي لضبطه والتَّحَكُّم في مساره حتَّى يكون إلى الأمام.

لا تُوجَد سبيلٌ سياسيةٌ واحدة أو نِظامُ حُكْمٍ وحيدٌ للتَّقدُّم. فالغربُ تَقَدَّم بطريقته، والصينُ تَتَقدَّم بطريقتها. لكنْ هناك شرطان أساسيَّان للتقدُّم (ومصدرُهما الإنسانُ، لا الموارد الطبيعية من نفط وغيره) هما العلمُ والتِّقَانة (التكنولوجيا). وسَبِيلُهما التعليمُ والبحثُ العلمي. والتعليمُ الْـمُرادُ هو التعليم النوعي. ولكي يَتَحَقَّق، يَجِب على العرب أن يُنشِئوا لجانًا من المختصِّين والعلماء في مجالات مختلفة لِـمُراجعةِ مناهجِه وبرامجِه وتخليصِها من أدوات «القهر والإكراه».

ويجب على العرب ـ إنْ أرادوا التقدم ـ تخصيصُ نحو 3 % من ناتجهم المحلي الإجمالي للبحث العلمي؛ ومَنْحُ الحرية للباحثين والعلماء، أي فصلُ البحث العلمي عن السياسة والبيرُقراطية الإدارية. وأضرب مثلا بالاتحاد السوفيتي. فهذا البلد كان يُخْضِع البحثَ العلمي والصناعات الَـمَدَنِيَّة للإيديولوجيا والبيروقراطية الإدارية، فتأخَّر في هذه المجالات. لكنَّه مَنَح العلماء حرية كبيرة في صناعات الفضاء والأسلحة فسبَق فيها الغربَ فترة من الزمن.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟