أحمد المسلماني

مستشار الرئيس المصري السابق ــ مصر

بعض الأحداث الطارئة تمتدُّ عقوداً طويلة، وبعض القرارات العارِضة تمضي من قرنٍ إلى آخر، فمثلاً لم يكن أحد يتصوّر أن تقسيم ألمانيا أواسط الأربعينات سوف يمتد حتى أوائل التسعينات .. كما لم يتصوّر أحد أن تقسيم كوريا أوائل الخمسينات سوف يمتد حتى اليوم .. عابراً القرن العشرين إلى القرن الحادي والعشرين.

لقد احتاجت ألمانيا إلى انهيار الإمبراطورية السوفيتية حتى تتمكَّن من العودة إلى الجغرافيا السابقة، فما الذي تحتاج إليه كوريا حتى تعود كما عادت ألمانيا؟ ثمّة إجابة مثيرة قدّمها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قبيل قمة هانوي: «تمتلك كوريا الشمالية مقوّمات للنمو السريع أكثر من أي دولة أخرى، إذا تخلّت عن ترسانتها النووية ستصبح واحدة من أعظم القوى الاقتصادية على مستوى العالم».

إن إجابة الرئيس ترامب هي في الواقع نصف إجابة، ذلك أن نهاية الترسانة النووية ستكون بداية الوحدة الكورية، إذ لا يزال حلم الوحدة قائماً لدى الشماليين والجنوبيين، إذ اعتاد المواطنون في كوريا الجنوبية على الأنباء التي لا تنقطع عن وزارة الوحدة الكورية، وبعد مرور 66 عاماً لا يزال الكوريون يرون في دائرة العرض 38 مجرد خطوطٍ مؤقتة مصيرها إلى الزوال.

وتعددت الآراء في كوريا الجنوبية بخصوص الوحدة مع الشمالية، فمنها رأي فريق يتخوف من حجم الأعباء الاقتصادية التي ستنجم عن الوحدة فوق المستطاع، وقد تُضعِف الطرفيْن، ويذهب رأي فريق ثانٍ إلى أن اليابان والصين وروسيا لن تسمح بعودة الخريطة القديمة من جديد، ويذهب رأي فريق ثالث إلى أن واشنطن إنما تريد إنهاء الترسانة النووية وحسب، وهناك رأي لفريق رابع، يقول: إن النموذج الذي جرى في أوكرانيا، أكدَّ أن هدف القوى الكبرى لم يتجاوز إزالة السلاح النووي الأوكراني ثم الكازاخي من دون وجود أي خطة للأربع وعشرين ساعة التالية لما بعد السلاح النووي.

ويركز رأي فريق خامس على أن الوحدة الكورية لن تكون بالخبر السار للإمبراطورية اليابانية، وأن طوكيو ستبذل كل جهودها للحفاظ على توازن القوى في المنطقة، وأنها ربما ذهبت إلى السلاح النووي إذا ما اختلّ التوازن.

الحاصل إذن، أنّنا إزاء جديدٍ في شرق العالم، وأن ما يصفه الرئيس ترامب بـ «القوة الكبرى الاقتصادية» قاصداً كوريا الشمالية الجديدة، ربما أصبح «القوة العظمى الكورية»، تلك الدولة الموحدة، التي تزيد مساحتها على سبعة أضعاف مساحة بلجيكا، ويعادل عدد سكانها عدد سكان ألمانيا، متجاوزة بريطانيا وفرنسا وإيطاليا، سيصل ناتجها الإجمالي إلى تريليوني دولار، كما أنها ستظل تمتلك القدرات العلمية للتسلح النووي.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


على العموم، ما يبدو بعيداً اليوم قد يصبح واقعاً غداً، وما يبدو خيالاً الآن ربما يصبح من بديهيات السنوات المقبلة، إنه المسار المجنَّح لحركة السياسة، أو هو الطريق الدائري لحركة التاريخ.