محمد محمد علي

كاتب وباحث - موريتانيا

الدولة كَمفهوم مرَّت بعدة تطوُّرات؛ كان آخرها مفهوم الدولة الوطنية التي قامت على أنقاض أنماط أخرى من الدول، كـ «الدولة /‏ ‏المدينة» و«الدولة /‏ ‏الإمبراطورية»، ويعود تأسيس الدولة الوطنية (nation-state) إلى العصر الحديث بعد معاهدة وستفاليا 1648م، التي مَهَّدت الطريقَ السياسي والقانوني لظهور كِيَانات وطنية غير خاضعة لسلطة خارجَ حدودها كالبابوات والأباطرة.

والمسلمون عَرَفوا تلكَ المفاهيم منذُ تأسيس دستور المدينة الذي وَضَعه الرسول، صلى الله عليه وسلم، والذي جَسَّد المواطَنَة القائمة على رابطة الوطن لا الدِّين أو العِرْق.

وتأثَّرَ الغربُ بالقوانين والمفاهيم الإسلامية التي لا وُجودَ فيها لسلطة كهنوتية فوق السلطة السياسية، لذلك قال الملك الفرنسي فيلب الثاني (أغسطس): «مَا أسعد صلاح الدين الذي ليس فَوْقَه بَابَا».

لكنَّ مفهوم الدولة عندنا اليوم غائبٌ، فالولاءُ ليس للدولة كمفهوم، وإنَّما للسلطة السياسية أو القَبِيلة أو الطائفة .. قبل انهيار العراق 2003م، كنتُ أعتقد أنَّ القَبِيلة انقرضت في هذه الدولة وفي غيرها، باستثناء موريتانيا ودول الخليج، لكن فجأةً خَرَجت العشائرُ من قُمْقُمِهَا وصارت اللاعبَ الرئيسَ في العراق، حتَّى الولايات المتحدة - سلطة الاحتلال - اعتمدت على العشائر في تأسيس الدولة الجديدة، وفي حربها على القاعدة .. وهذا ينطبق على دول عربية كثيرة.

وفي موريتانيا لا يَزَال مفهومُ الدولة غائباً، ومَا نَجِده اليوم إنَّمَا هُو بِداية لانتقال سلمي لمراكز القوَّة (العسكرية)، فَقَدْ هَمَّ الرئيس الحالي محمد ولد عبدالعزيز بتعديل الدستور ليترشح لولاية ثالثة، لكنَّ الجيش والنُّخب السياسية فَرَضا عليه احترامَ الدستور، أمَّا التداوُل السلمي (الديمقراطي) على السلطة فينتظرُ الأجيالَ القادمة.

فنحنُ لَمْ نَصِلْ بعدُ إلى مفهوم دولة القانون التي يَخضع فيها الجميع للقانون طَوْعاً.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


حَكَى لي صديقٌ أنَّه رَكِبَ سيَّارةَ أُجْرَة في بلد أورُوبي في وقت متأخِّر من الليل، فاسْتَغْرَب وُقوفَ السائق فترة طويلةً أمام الإشارة الحمراء رغم أنَّ الطريقَ خالٍ من السياراتِ والبَشَرِ، ولا يُوجَدُ شُرْطِيُّ مرور! .. فالسائقُ مُلْتَزِم بالقانون سواءٌ كان الطريقُ خالياً أو مُزْدَحِماً. أمَّا صاحبُنا فمُلْزَم بالقانون، وحين لا يَجِدُ شُرْطِيَّ مُرُور ولا «رادَاراً» يُراقبه فالقانُون غير موجود!

دولة القانون لا ترتبط بنظامٍ سياسيٍّ معين، فهي تعني احترامَ الجميع للقانون، ولترسيخ مفهومها، ينبغي تدريسُ المبادئ العامَّة للقانون الدستوري في المدارس الثانوية والجامعات بِغَضِّ النَّظَر عن التَّخصُّصات.