د. فاتح عبد السلام

أكاديمي وكاتب سياسي - بريطانيا

التجارب المنظورة تثبت أنّ محور الشر لا يزال (ثلاثياً) لدى واشنطنفي تسعينات القرن الماضي، عوّلت الولايات المتحدة على سياسة هندستها مادلين أولبرايت وزيرة الخارجية في عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون تقوم على الاحتواء المزدوج، في إشارة إلى تقييد المجال الحيوي لأي توسع إقليمي أو نهج بإنتاج السلاح المحظور لدى العراق وإيران بوصفهما أكبر قوتين تحيطان بمنطقة استراتيجية، ثم ما لبث أن أصبح الاحتواء المزدوج من الماضي، و سرعان ما مقته أقطاب البيت الأبيض اللاحقون وعدّوه فاشلاً، لا سيما مع الفترة الرئاسية لجورج بوش الابن، حين شنّت واشنطن حرب أفغانستان، ومن ثم حرب العراق الذي احتلته رسمياً من ٢٠٠٣ إلى ٢٠١١.

قبيل حرب العراق، بدأ مصطلح جديد يمثل النهج الأمريكي المغاير يتردّد في واشنطن، ذلك هو مصطلح ( محور الشر) الذي ورد أوّل مرة على لسان جورج بوش في خطاب ألقاه بتاريخ 29 يناير ليصف به أنظمة العراق وإيران وكوريا الشمالية، مشيراً إلى أنّها تدعم الإرهاب وتسعى لشراء أو تصنيع أسلحة الدمار الشامل، في سياق التعبئة لحرب العراق التي سيقت لها مبررات زائفة.

لم يصدر عن أي رئيس أمريكي منذ ذلك الحين أيّ تصريح يشير إلى إلغاء ذلك التوصيف لمحور الشر أو حتى تعديله، بالرغم من أنّ العراق تغيّر نظامه وحكّامه، لكن يبدو أنّ ما تراه واشنطن من علاقة ولائية ونفوذية لمراكز قوى بين العراق وإيران يجعل من الصعب تغيير تركيبة ذلك المحور الثلاثي، ولو لفظياً.

مع مجيء الرئيس دونالد ترامب أعادت الإدارة الأمريكية التعامل مع إيران بحسب قناعات كانت سائدة في فترة إطلاق مصطلح محور الشر، إذ انسحبت واشنطن من الاتفاق النووي وشدّدت العقوبات، وتضغط الآن على أوروبا للتضييق على إيران، وفي المقابل يبدي ترامب مرونة في الملف الكوري الشمالي، ويتحدّث عن إنجازات، من خلال اجتماعاته مع الرئيس كيم جونغ في مسعى لنزع سلاحه النووي، الذي سيفضي بالنتيجة إلى إخراج كوريا الشمالية من محور الشر، في الأقل من وجهة نظر بيونغ يانغ.

التجارب المنظورة تثبت أنّ محور الشر لا يزال (ثلاثياً)على طاولة السياسة الخارجية والأمن الاستراتيجي لواشنطن، ولا يهم في ذلك تغييرات العراق أو الاتفاق النووي مع إيران أو القمم الساخنة مع الزعيم الكوري.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟