باسمة أبو شعبان

إعلامية وناقدة اجتماعية ـ فلسطين

تناولنا في مقالات سابقة مصطلح «النوستالوجيا»، وتكلمنا عن الألم الذي ينتاب المرء نتيجة الحنين للماضي وشخوصه وأحداثه، والذي إذا ما وصل الفرد فيه حد المبالغة؛ صار مرضاً يحول دون استمتاع صاحبه بحاضره، وهو ما يشبه التقوقع في شرنقة تحجب الرؤية، وتترك الفرد يحيا مع خيالات ماضيه متوحداً متألماً يعاني الفقدان، فالاستغراق في النوستالوجيا يؤدي للاكتئاب.

في مسرحية «شاي بعد الظهر» للكاتب المجري «جابور جوركي»، تجد تجسيداً لهذه الحالة، فالبطلة في الأربعين، وتظل طوال المسرحية تتذكر تفاصيل صغيرة حدثت معها في الماضي، وهو ما يجعلها لا تتذوق لحظتها، زوجها يتحدث في وادٍ، وهي في وادٍ آخر، تستغرق في أحداثٍ حدثت سابقاً، وهكذا يمر الوقت ويموت الزوج دون أن تستمتع بلحظتها، ثم تتذكر طفولة ابنها الغائب وتبحر مع مفرداتٍ صغيرة، ويشدها الشوق، يعود الابن فتُحدِّثه عن ذكريات طفولته دون أن تستمتع بوجوده، وعندما يغادر تجتر ذكريات حضوره أمداً، ثم يموت، وهكذا يمر العمر وهي تودع أحبتها دون أن تعتني في معايشة أُنس وجودهم قبل أن يغادروا، وفي الحقيقة أن هناك الكثير ممن حولنا يشبهون بطلة المسرحية، يبددون الوقت في اجترار الماضي.

كم هو مهم أن نستمتع باللحظة الآنية التي نحياها، فالماضي ذهب ولن يعد، بما فيه لحظة انتهائك من قراءة هذه الجملة في المقال، وكل ما يتعلق به هو خيالات ليست موجودة في الحقيقة، والمستقبل كذلك هو زمنٌ افتراضيٌّ؛ لم نعشه بعد، فلا نحمِّله أكثر مما يحتمل من توقعات وأمنيات وننتظره في قلق، أما الحقيقة الوحيدة بين الأزمنة الثلاثة؛ فهو الحاضر.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

ليس لنا من ماضينا سوى العبرة والخبرة التي علينا أن نسثمرها في حاضرنا، وهو الزمن الذي يشكل مستقبلنا، فلنحياه بسعادة وإنجاز.