د. محمد المعزوز

باحث في الأنثربولوجيا السياسية ـ المغرب

إعلان بوتفليقة عن تأجيل تنظيم الانتخابات الرئاسية وعدم ترشحه لعهدة رئاسية خامسة، يثير مجموعة من الأسئلة، لعل أهمها: ما هي خلفيات التوافق بين الأجنحة العسكرية المتصارعة في اتخاذ هذا القرار، واعتماد لغة التنويه بالطابع السلمي لتظاهرات الشعب؟

تظهر الإجابة في جملة من المعطيات يقتضيها التحليل، نذكر منها هنا خمسة، وهي، أولاً: هناك إدراك من طرف الجيش الجزائري لرغبة الشباب في تجديد صلاته بالربيع الديمقراطي المجهض ما بين 1988-1991، الذين أصبحوا اليوم يحملون وعياً سياسياً أكثر تقدماً، وهذا ما أشارت إليه رسالة الرئيس بلغة واضحة تعتمد استمالتهم وطمأنتهم، مما يؤكد أن هذه التظاهرات لم تحدث بمعزل عن إرادة جناح قوي في الجيش أشرف على توجيهها.

ثانيا: هناك اتفاق بين كل أجنحة الجيش على أن مؤشرات الحركات الاحتجاجية تدل على إمكان حدوث انزلاقات وشيكة نتيجة للطبيعة المركبة والهجينة للمكونات المحتجة في الشارع والتي لم تنجح في إفراز واضح لقوى سياسية قائدة تتحكم في وتيرة وإيقاع الاحتجاجات. ثالثاً: إدراك الأجنحة المتصارعة في الجيش، أن المؤسسة العسكرية نفسها باتت مهددة، وأن عدم تنازلها عن ترشيح بوتفليقة قد يكرر السيناريو المصري المتمثل في انفلات الشارع، وإمكان صعود قوى سياسية تهدد مباشرة مصالحها، أو يفضي إلى تكرار النموذج السوري المتمثل في الحرب الأهلية، لذلك استلهمت النموذج المغربي المتمثل في خطاب 9 مارس أمام الاحتجاجات القوية لحركة 20 فبراير، الحامل لإصلاحات سياسية، وهذا ما جاء في رسالة الرئيس بقوة، وهو يؤكد على حكامة الحياة السياسية والمؤسساتية والاقتصادية والاجتماعية.

رابعاً: تنبه الجيش إلى أن هناك طلباً شعبياً متزايداً على الديمقراطية الليبيرالية، على غرار كثير من بلدان العالم، ومنها بعض الدول الجارة مثل تونس والمغرب، بالرغم من أن تجربتهما تظل جنينية.

خامساً: اعتماد خيار التوافق السياسي الشامل لإنجاح المسلسل الانتقالي بسلاسة، شريطة إيجاد أرضية مشتركة لتذويب الخلافات أو تأجيلها بما يضمن استمرار وجود المؤسسة العسكرية، وهنا يمكن الإجماع بالتوافق على ترشيح الجنرال المتقاعد علي غديري ليلعب هذا الدور التكتيكي في انتظار مرور العاصفة.

لقد أشارت رسالة الرئيس عبد العزيز بوتفليقة إلى تعديل حكومي مرفوق بالمحاسبة كلعبة تكتيكية لضمان سلاسة الانتقال السياسي في هذه المرحلة وتحقيق هدف التوقف الفوري للاحتجاجات، ولا يستبعد في حالة إثارة جدل سياسي حول الإصلاحات السياسية من داخل الأحزاب الوطنية والتفاعلات المرتقبة للشارع ما بين مكوناته وبين هذه الأحزاب أن يتم اللجوء إلى خيار حكومة وحدة وطنية لتمنيع وتمتين الانتقال السياسي المعلن عنه في رسالة الرئيس.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


الأكيد أَن خطر الإسلام السياسي، غير مطروح، لأن الشارع الجزائري واع بالويلات التي عانى منها سابقاً، وبما حدث في بعض الدول العربية، فضلاً عن أن وضع الأحزاب الإسلامية وضع هش، وبدون تأثير اجتماعياً.