عبدالباري طاهر

كاتب سياسي ــ اليمن

تشهد السودان انتفاضتها الثالثة، وتدخل شهرها الرابع.. تمتد الاحتجاجات السلمية لتغمر المدن الرئيسة، يمتلك السودان إرثاً رائعاً في النضال السلمي الديمقراطي؛ فقد نال الاستقلال سلمياً 1956، ومر بانتفاضتين شهيرتين: 1964، و1985.

منذ الاستقلال والصراع في السودان بين قوى الغلبة والقوة (الانقلابات العسكرية) وتسلط القوى التقليدية، وبين القوى المدنية الديمقراطية وعموم الشعب. مثلت الانقلابات العسكرية: عبود 58، والنميري 69، وانقلاب البشير 89 قطعاً للسياق الديمقراطي، ويعتبر الانقلاب الثالث الأشد وطأة، والأطول مدى.

خطورة هذا الانقلاب أنه جاء ثمرة استيلاء الإسلام السياسي (الجبهة القومية الإسلامية) بزعامة الترابي، وفريق من العسكر بزعامة البشير.

لم تكن الأحزاب السياسية بعيدة عن الانقلابات السابقة، ولكنها لم تكن مهيمنة، وكانت قوة العسكر هي الغالبة، أما انقلاب البشير المنتمي للجبهة القومية فكان تعبيراً شمولياً عن استيلاء الإسلام السياسي على السلطة، وتجريم الاتجاهات السياسية المختلفة الطائفية والمدنية الحديثة وتصعيد الحرب ضد الجنوب والمخالفين في الرأي.

معروف أن السودان ليس من بلدان الفتوحات الإسلامية، فقد انتشر فيه الإسلام عبر عقود عديدة عبر التآخي والامتزاج، وعبر الطرق الصوفية الوافدة من مصر وأثيوبيا لما يقرب من ثمانية قرون، وهو بلد متعدد ومتنوع فيه المسيحي والوثني، وفيه العربي والأفريقي والزنجي، وفيه قبائل قوية متعايشة ومتآخية مشهورة بالتسامح والتفتح.

جاء الانقلاب المدعوم من تيارات الإسلام السياسي في المنطقة كلها لأسلمة السودان، وكان ضد الطبيعة السودانية شديدة التنوع والتعدد والمعروفة بالطيبة والتسامح، وضد الإرادة السلمية والديمقراطية الأساس في الاستقلال والطابع العام للشخصية السودانية في بلد يعتبر سلة غلال أفريقيا، ويغمره النيل من أكثر من اتجاه، ويمتلك ثروة حيوانية هائلة وأرضاً شديدة الخصوبة، ويعم الفقر والمجاعة غالبية السكان، وينعدم الخبز، وتنتشر فيه الأوبئة الفتاكة، وينهار الاقتصاد، وتحكمه ميليشيات الجنجويد التي صعدت الحرب ضد الجنوب ونشرتها في دارفور وكردفان وفي أكثر من منطقة.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


الانتفاضة الثالثة الآن تتحدى حالة الطوارئ، وترفض الوعود الكاذبة، وتستعصي على القمع والإرهاب والاعتقالات المتكررة، ويخرج المهنيون والمدرسون وأساتذة الجامعات، والأحزاب وشرائح وفئات، وتتصدر المرأة المسيرات، ويجمع الحكام العرب والمحيط رغم اختلافاتهم على مساندة البشير ومد يد العون لإنقاذه من الانتفاضة الواعدة بالانتصار.