مالك العثامنة

كاتب وإعلامي ــ بلجيكا

طبعا لا يمكن إنكار حجم الإرهاب البشع في جريمة الإرهابي السفاح الأسترالي في نيوزيلندا، وجريمته فعل إرهابي متكامل الأركان وضمن أعلى مستويات البشاعة اللاإنسانية.. لكن، السؤال المطروح: هل كان فعله منسوباً إلى دين؟ هل كانت منصة انطلاقه العنصرية هي الدين المسيحي؟ أم أنه كان فاشستياً بعصبية عرقية عمياء تعتقد بتفوق الرجل الأبيض على سائر أعراق بني البشر؟.. ماذا لو واجه القاتل السفاح وهو في طريق خروجه مسيحياً عربياً بملامح شرق أوسطية يتقلد صليبه على صدره؟، هل كان سيوفر حياته ويتجاوز عن قتله؟

في الحقيقة وحسب معطيات قدمها القاتل نفسه في بيانه المتطرف والمتخم بكل الكراهية فإنه بالتأكيد سيقتل ذلك المسيحي العربي بلا تردد وبنفس الدم البارد الذي قتل به كل من واجههم أمامه في المسجد.

في بيانه الكريه على الإنترنت، وصف السفاح نفسه فيه بـ «مجرد رجل أبيض عادي» وأنه وُلد في أسرة «من الطبقة العاملة ذات دخلٍ منخفض»، وأنَّه «قرر أن يتخذ موقفاً ليضمن مستقبلاً لقومه». وقد وصف المجرم الأسباب التي دفعته لتنفيذ الهجوم المروع بأنَّها طريقة كي يُظهر «للغزاة أن بلادنا لن تكون بلادهم أبداً، وأن أوطاننا ملكنا، وأنَّه ما دام هناك رجل أبيض لا يزال حياً، فلن يحتلوا أرضنا أبداً ولن يقيموا مكان شعوبنا»... القصة عنده كلها متمحورة حول ما وصفهم هو بـ «قومه»، وهم هنا عرق الرجل الأبيض، نفس المنهجية النازية التي قدست عرقاً ووضعته فوق الأديان إلى حد تخلي أدولف هتلر نفسه عن المسيحية كدين واعتبارها ديناً متسامحاً وضعيفاً.

طبعاً، لن يترك محترفو الصيد في الماء العكر (مثل تيارات الإسلام السياسي) تلك الفرصة تلوح دون تغذية التحريض، وهو سلوك احترافي عريق لديهم يمارسونه بمهارة اللعب على العواطف واستغلال الغضب والقهر الكامنين لدى شعوب العالم العربي، وهذا ما تجلى في صفحات وسائل التواصل الاجتماعي التي نضحت بكل خطابات الكراهية ضد «المسيحية» على أنها الفاعل الأساسي والمحرك الرئيس للسفاح القاتل.

في أوروبا، حذرنا كثيراً ولسنوات طويلة من تمادي التطرف الديني «الإسلاموي» وتغلغله عبر مؤسسات ممولة جيداً في ثنايا المجتمعات العربية التي نحول أغلبها إلى «غيتوهات» منغلقة غير مندمجة، وهو ما ولد رد فعل اجتماعي وسياسي لدى جيوب التطرف الأوروبية وغذاها بما تحتاجه من حطب ليشتعل الجمر تحت الرماد..القصة قد لا تنتهي دون تدخل الوعي، وقطع إمدادات التغذية تلك، ليموت التطرف اليميني في مكانه أو على الأقل تقزيمه ليعود كما كان دوماً في أوروبا، منبوذاً كنكتة سمجة.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟