خالد عمر بن ققه

كاتب وصحفي ـ الجزائر

أصوات هنا وهناك، حدودها العالم، أنبتتها أراض بور وأخرى طيبة، حملت تطبيقات اليقين لقرون عبر الإيمان بالغيب، قّرر أصحابها، بوعي أو بدونه، إسماع أصواتهم لأنفسهم أوَّلاً، ولمن حاولهم ثانياً، بعدما اكتشفوا أن الثبات ـ حتى لو كان آمناً ـ يقهر الأنفس، ويجعلها تتوق إلى الحرية حتى لو كانت وهماً، وهنا يأتي السؤال محمَّلاً بأوزار الأفعال المتراكمة للقبول بالتخلف، أو المشاركة في التقدم.. سيَّان هاهنا الفعل البشري في امتداد الجغرافيا لأن طموحات الكد أكبر من أن توصف أو توظف أو تعرف، أو حتى تختزل في قول شاهد على التغير الحاصل اليوم في السلوك البشري على المستوى العالمي.

تلك الأصوات تعجز الأمكنة عن استيعابها، والأفئدة عن مساءلتها، والعقول عن التفاعل معها في صيغ البناء الحضاري، ذلك لأنها في انتسابها لزمانها تحركها مشاهد الجمع، وتتجاوب مع مضامين الرسائل المشفرة وغير المشفرة من قوى تعمل في السر والعلانية على توجيه مقصود نحو اقتراب البشر لكن بدون أحضان دافئة، في استجابة طوعية للسنن الكونية، ومنها: التدافع، والصراع، ومن ثم الحروب، بما فيها معارك الحب بغض النظر عن شكله وزمانه ونتائجه.

يضاف إلى هذا كله طغيان الصورة حين فقدت المعنى الوجودي لجهة أنها تعبر عن وعاء للأرواح سواء أكانت في أحسن تقويم أو ردت إلى أسفل سافلين، ذلك أن حالة العشق للشكل، للصورة، إلى درجة الجنون، كما هي تجليات ذلك في مراكز التجميل تشي بتردد الصوت في مجال ضيق، وإن بدا واسعاً ومفتوحاً، وهذا يفقده صداه في عمقه المعرفي لاكتشاف الذات ومعرفة كنهها مما يقلل من احتمالات التبصر ومعرفة الأنا الفردي والجماعي أيضاً.. فما الحماية من كل هذا؟

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

البحث عن إجابة السؤال السابق، تتطلب اعترافاً بشرعية طرحه، وفي زخرف الحياة اليوم، يرى الغالبية من سكان العالم، أن الصورة هي الحقيقة الوحيدة الماثلة أمامهم، وهو محقون في ذلك إلى حد بعيد، وبالتالي هم ليسوا في حاجة إلى حماية من طغيان الصورة وسطوتها، فمشاهد الفرح، وما أقلها، ومشاهد الحزن وما أكثرها، محفوظة ويمكن العودة إليها في أي وقت.. إنها مشاهد مصغرة لسجلاتنا، وكتبنا باليمين وبالشمال يوم القيامة، هنا يكون الحديث أقرب إلى النجوى حين يتركز على ما ورائيات الصورة، وكم هو الأمر مخيف، حتى إن همنا فيه عشقاً، أو غرّنا علو أصوات سكان العالم.