محمد محمد علي

كاتب وباحث ــ موريتانيا

خَصَّصت الإماراتُ العربية المتحدة مارس من كل عام شهرًا للقراءة، وهذَا قرارٌ حكيم وسياسة رشيدة.. فلنَقِفْ عندها وِقْفَةَ تأمُّل!

يُجْمِع العالَمُ اليوم على أهميَّة القراءة في اكتساب المعرفة وتنمية الفكر.. نعم، وقَفَ منها سقراط قديمًا موقفًا سلبيًّا؛ إذْ رآها لا تُقدِّم معرفةً جديدة للقارئ. لكنْ هَلْ عَلِم أنّه لولا القراءة لما وَصَلتْنا روائِعُه الفكرية الخالدة. إنَّ القراءة جَسْر يربط الحضاراتِ بعضها ببعض؛ احْذِفِ القِراءةَ مِن حياة البشر تَجِدْهم بلا ذاكرة وبلا تاريخ.

والأمَّةُ التي لا تقرأ لا تَتَقدَّم.. فهل التقدُّم العلمي والفكري إلا ثَمَرَةُ القراءة المستمرَّة لتجارب الآخرين وابتكاراتهم؟ وفي هذا السياق لا يَسَعُنا إلا أن نَتَألَّمَ مِن التَّرَدِّي الذي وصلَ إليه اليوم حالُ القراءة والإنتاج المعرفي في وطننا العربي، وهو مِنْ أسباب تَخَلُّفنا عن ركب الحضارة الإنسانية.

فمَا الذي دَهَانا؟!، ألَم نَسْتَلْهِم التجاربَ الناصعَة مِن تاريخنا حين كُنَّا نقود العالَم في المعرفة؟، فنحنُ إذَا رَجَعْنا إلى عصر ازدهارنا، نجد أنَّه في حِينَ كان التعليمُ العامُّ في العالَم العربي الإسلامي مفتوحًا أمام كل شخص، كان 99 % من سكان أورُبَّا أمِّيِّين؛ حتَّى ملوكُهم كانوا لا يقرؤون ولا يكتبون. فشارلمان – مثلاً – كان أُمِّيًّا، بَيْنَما كانَ نظيرُه هارون الرشيد من كبار القُرَّاء والمثقَّفين.

وفي حين كان بمدينة بغداد سنة 1171م مكتبة تحتوي أكثر من سبع مئة ألف كتاب، نَجِد أنَّ جامعة أكسفورد بعد ذلك بثلاثة قرون لم تملك كتابًا واحدًا، واقْتَنَت مكتبة العزيز بالله الفاطمي، مليوناً وستة مئة ألف كتابٍ مُفَهْرَسٍ، وفي الأندلس كان بمكتبات قرطبةَ العامَّة والخاصة في عهد الحكم الثاني مئات الآلاف من الكُتُب، ويرتادها طُلَّابُ العلم من جميع البلاد الأوربية؛ في حين لم تَستطع عاصمةُ إسبانيا المسيحيةِ مدريد في القرن الثامِنَ عشرَ أن تُنشِئَ مَكتبةً عامَّةً واحدة، واقْتَنى الخليفةُ الحكَم نفسُه أربع مئة ألف كتاب، في حين لم يَستطع العاهل الفرنسي شارل الخامس (الملقب بالحكيم) بعده بأربعة قرون أن يَجْمَع أكثرَ مِن ألف كتاب.

وتُفيدُ بعضُ الدراسات أنَّ مُتَوَسِّط عَدَدِ الكتب التي يملكها الفردُ العربي في القرن العاشر الميلادي كان يَزِيد على ما تَحْتَوِيه مكتباتُ أوربَّا مُجتمعةً، وفي عهد الحكَم المذكور آنِفًا كانت الأندلس وحدَها تُنتِج ما بين سبعين وثمانين ألف كتاب سنويَّا.. لكنَّ هذه الصورة انقلبت الآن!!

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟