عمر سيف غباش

سفير الإمارات السابق في فرنسا

كنتُ قد كتبتُ في الأسبوع الماضي حول فكرة وضع قائمةٍ تضم أهم الكتب التي تمثل ثقافتَنا وثقافة المجتمعات الأخرى المختلفة عنا ذهنياً وفكرياً، فوقتنا ضيقٌ وطاقتنا على القراءة محدودة، وكلنا بحاجةٍ لمن يرشدُنا لقراءة أهم الكتب وأكثرها نفعاً وإثراءً لحياتنا الفكرية، وسأتوسع اليوم في طرح هذه الفكرة، مقترحاً كيف بوسعنا تنظيم وبناء مثل هذه القائمة من الكتب.

أعتقد أنه من الضروري أن نحدد من البداية ما هي القيم الفكريةُ والأخلاقيةُ التي نريد الترويج لها.. يبدو لي أن هناك مجموعات محددة من الكتب يتم اختيارها بمنظور ضيقٍ للغاية، أو تمثل وجهةَ نظر فئةٍ واحدةٍ وتتجاهل وجهاتِ نظرِ فئاتٍ أخرى، وهذا ما يدفعنا للإجابة عن سؤال سابق: ما هي المبادئ التي يجب أن تضبط عملية اختيار الكتب؟ بل أكثر من ذلك، يجب أن نتساءل: ما هي ضوابط اختيارنا لتلك المبادئ؟ للإجابة عن هذه الأسئلة، استعرض فيما يلي بعض المبادئ التي أراها أساسيةً ومهمة: كي نتمكنَ من بناءِ قارئٍ مثقفٍ ومُستنيرٍ يتحلى بتفكيرٍ فضوليٍ وخلّاق، يجب أن يتضمن الاختيار أكثر من مجرد نصوصٍ دينيةٍ وشعريةٍ تقليديةٍ ومتعارَفٍ عليها، بوسعنا المضيُّ أبعد من ذلك لنختارَ من مجموعاتِ الرواياتِ التي أخذت بالانتشار منذُ القرن التاسعِ عشر، مروراً بالقرن العشرين، ووصولاً للازدهار الكبير في تأليف الروايات في القرن الحادي والعشرين، بما في ذلك الروايات الحاصلة على الجوائز العالمية أو الروايات التي نافستها على مراكز الصدارة.. سيتيح ذلك لنا، نحن القرّاء، الاطلاع على أكثر الأعمال العالمية تميزاً بتعابيرها البديعة وحقائقها الخالدة وخبرات نقادها.

كما يجب أن تتضمن القوائم تلك الكتب التي تَطرحُ أنظمةً فكريةً مختلفة، وأخص بالذكر هنا، أعمال أفلاطون وأرسطو والفلاسفة والمفكرين الذين طوّروا منظمة الفلسفة الغربية، والغريب أنني واجهتُ صعوبةً بالعثور عليها باللغة العربية.. فعادة ما نصرح، نحن العرب، أن الغرب قد ورِث منّا تلك الأعمال، حيث تمت ترجمتها للغة العربية والمحافظة عليها، وتمثل تلك الأعمال النصوص الأساسية للثقافة الغربية، وبالتالي، من الضروري لنا، نحن العرب، أن نفهمها كي نتمكن من فهم القوة العالمية المهيمنة حالياً.

ويجب أن تتضمن القوائم مؤلفاتٍ للأصواتِ الهامشية الموجودة حالياً، بما في ذلك، النساء والأقليات العرقية والجماعات الدينية، وكذلك النصوص التقليدية والنصوص التي تتحدى طرق تفكيرنا، وكتب تحليل الماضي واستشراف المستقبل.

وفي الختام، كي نجذب اهتمام الأجيال الناشئة إلى عالم الأفكار ينبغي علينا أن نوسع أفقهم عبر توجيههم إلى كتب تقليدية، وأخرى مثيرة للجدل وكتب لأصواتٍ شائعةٍ وأخرى لأصواتٍ هامشية.. علينا أن نختار الدرب القرائي الذي يتحدانا ذهنياً وفكرياً من أجل تسليح الجيل الشاب بالقدرة على التحليل والتفكير، والمضي قدماً في عالم متغير ومتقلب.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟