خالد الروسان

كاتب سياسي ــ الأردن

دول أجنبية وإقليمية تهتم بتعليم العربية في مدارسها والدول العربية تهجرها وتزدريهاكان الطالب العربي في العقود الماضية يعاني من تعلم وإتقان اللغة الإنجليزية في المدارس، لدرجة أنّها مثلت عقدة له، ورسب بسببها كثير من الطلاب في امتحان الثانوية العامة.. ليوم نلحظ العكس حيث بدأ معظم الطلاب في المدارس بإتقان الإنجليزية والصعوبة في تعلم العربية وعدم القدرة على القراءة والكتابة السليمة بها والنفور منها لتنقلب الآية وتصبح هي العقدة.

بعض الأهالي أدخلوا أبناءهم مدارس المنهاج العربي، ليصطدموا أيضاَ بعدم قدرتهم على تعلم العربية بشكل مقنع.. فكيف حصل هذا في سنوات قليلة؟، ومن يقف خلف هذا التيار في التحول إلى التعليم بالإنجليزية؟، وما الأهداف منه؟ وما هي آثار ذلك مستقبلياً؟ التعلم بلغة ثانية غير اللغة الأم خصوصاً لطلاب المراحل المدرسية لا يعني إتقان لغة أخرى كالإنجليزية، وإنمّا يعني طريقة تفكير ومنهج حكم على الأشياء وتشكيل شخصية على مقاس هذه اللغة وأهلها وثقافتهم وهذا هو المراد، وتعلم لغات أخرى أمر مهم ومطلوب، لكن بإجماع جميع النظريات العلمية لا يجوز التعلم إلاّ باللغة الأم في المرحلة المدرسية، فاليابان مثلاً تمنع تعلم لغة أجنبية إلاّ بعد الثانوية العامة وكذلك دول أخرى، ولا توجد دولة في العالم تدّرس بغير لغتها، والعجيب أنّ دولاً أجنبية وإقليمية بدأت تهتم بتعليم العربية في مدارسها والدول العربية تهجرها وتزدريها.

ويبدو أنّ هناك تياراً عالمياً رأسمالياً يقف وراء عولمة التعليم بالإنجليزية، له أهدافه الخاصة، الاقتصادية والثقافية والفكرية والسياسية، ومنطقتنا العربية رخوة قابلة للتأثر بكل ما هو خارجي، وواضح أنّ هناك من يريد لمنطقتنا أن تقطع صلاتها بلغتها وهويتها وتراثها الديني والحضاري.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

دول كثيرة مشغولة اليوم بمناقشة أمر هام بدأ يشّكل أزمة وجود وهو موضوع الهوية، فمن أمريكا إلى فرنسا يناقش ذلك، بينما نلحظ في عالمنا العربي أنّ الهوية أصبحت مسألة ثانوية غير ذات أهمية، واللغة من سمات الهوية، وبهذا الخصوص نستنجد بالتراث الفكاهي للعرب، فقد قيل إنّ (جحا) وجد نفسه كبقية الناس لا يختلف عنهم، فأراد أن يتميّز فلبس قلادة تميزه - هذا ما أوصله تفكيره الساذج إليه - فأصبح الناس يعرفونه بالقلادة وصاحب القلادة فأسعده ذلك، وذات مرة استيقظ من النوم فلم يجد القلادة ووجد أخاه قد لبسها فقال له: أنت جحا فمن أنا.. والبقية عندكم؟!