حلمي النمنم

وزير الثقافة المصري السابق ـ مصر

فرك بعضنا يديه ومد قدميه على طريقة الإمام الأعظم أبو حنيفة النعمان، بعد مذبحة مسجد النور في مدينة كريست تشيرش يوم الجمعة الماضية، ثم هتف هؤلاء في أعماقهم: الحمد لله الإرهاب ليس إسلامياً وتحدث عدد منا بصراحة عما أسموه «الإرهاب المسيحي»، ودعا بعض الحمقى من ميليشيات التواصل الاجتماعي إلى الرد العاجل والسريع بضرب بعض الكنائس.

لقد بحَّ صوتنا منذ سنوات بعيدة ونحن نقول: إن الإرهاب لا دين له، فالإسلام ليس عنوانه حسن البنا وسيد قطب وأيمن الظواهري وأسامة بن لادن والزرقاوي والبغدادي، وكل أعضاء تلك الشجرة المسمومة، هؤلاء ليسوا ممثلين للإسلام ولا معبرين عنه، ولا انتدبهم المسلمون في أي مكان للتصرف باسمهم؛ بل هم من حذرنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مبكراً منهم، وهم أحفاد من قاتلهم علي بن أبى طالب وقتلته.

نعرف أن هناك مدرسة في الغرب تزعمها برنارد لويس أصرت على أن تمنح الإرهاب صفة الإسلامية، وخصص لويس كتابه «أين الخطأ» لهذا الغرض، لكن مقولاته لم تصمد أمام النقد، من كتاب غربيين أيضاً، ناهيك عن الكتاب العرب، ولذا تراجعت تلك المدرسة كثيراً، بعد أن أثبتت دراسة أمريكية أن أكثر من 92% من ضحايا إرهاب تنظيمي القاعدة وداعش هم من المسلمين.

كل الأديان السماوية والوضعية عرفت جماعات مارست الإرهاب والعنف باسم الدين، تارة تجاه أبناء الدين ذاته، ففي التاريخ الإسلامي مثلاً ظهر الخوارج الذين كانوا يقتلون المسلمين فقط، وفي المسيحية وجدنا صراعاً دامياً في مرحلة من التاريخ بين الكاثوليك والبروتستانت.. وتارة تمارس تلك الجماعات العنف والإرهاب؛ تجاه أبناء الدين الذي يتصورون أنه منافس أو معادٍ لهم، مثل ما جرى يوم الجمعة الماضي في مسجد النور، ويجب ألا نغفل حقيقة الإرهابي الذي ارتكب المذبحة، أنه ليس من نيوزيلاندا نفسها، وإنما هو من بلد مجاور، أستراليا، فقد ذهب إلى هناك لينفذ جريمته.

مرة أخرى الإرهاب والعنف لا دين لهماه، الإسلام هو دين الرحمة ومكارم الخلق والمسيحية دين التسامح والمحبة، والخبرة التاريخية تقول: إن الإرهاب يأكل ويحرق فاعليه في النهاية.. تأمل - مثلاً - الصراعات الدموية بين عدد من تلك التنظيمات داخل سوريا.

وفي هذه اللحظة المؤلمة يتجلى دور وثيقة الإخاء والإنسانية، التي وقعها فضيلة الإمام الأكبر د. أحمد الطيب وبابا الفاتيكان قداسة البابا فرانسيس في أبوظبي مؤخراً.. نحتاج لقيم الإخاء والإنسانية، لا نماذج العنف والإرهاب والكراهية والحقد.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟