د. محمد المعزوز

باحث في الأنثربولوجيا السياسية ـ المغرب

تلميح الرئيس الأسبق محمد خاتمي، في اجتماعه الأخير مع أعضاء كتلة «الأمل» البرلمانية الإصلاحية، إلى احتمال صعود تيار ثالث يتربص بالنظام السياسي لإسقاطه، باعتباره حسب زعمه تياراً خارجاً عن قطبية المحافظين والإصلاحيين التي ظهرت بعد ثنائية الدولة والثورة، هو بمثابة إشعار سياسي داعم لأيديولوجية الدولة وكاشف عن الرابطة الفكرية والعقدية التي تجمعه بها، خلافاً لما ترسخ في الاعتقاد بأنه إصلاحي معارض ومحاصر من طرف النظام، وهذا أمر دبّر بمهارة إعلامية كبيرة لعب فيه الجهاز الاستخباراتي والأمني دوراً ريادياً لتغليط وإيهام الإيرانيين والعالم بأن هناك حركة إصلاحية مستقلة ومعارضة.

أما تأكيده على أن الإصلاحيين لم يستطيعوا التفاعل مع الشارع وظلوا حبيسي شعارات سياسية تتعالى على واقع الناس وانتظاراتهم الاجتماعية والسياسية، فهو إشعار سياسي ثانٍ للدولة لاستباق الانفجار الاجتماعي المرتقب الذي سيفكك طموح بلوغ إيران.

كما يعتبر هذا الخطاب التكتيكي مناورة بدون جدوى من طرف خاتمي، لأن فعل التعبئة الجديدة عبر مدخل النقد الذاتي الذي أعلن فيه فشل الدولة والنخب في التواصل مع الشارع، والذي يحمل في الظاهر خدمة تياره الإصلاحي وفي العمق يسعى إلى خدمة الدولة، لم يتم تأطيره بخلفية أيديولوجية متطورة تتفاعل مع رؤية سياسية واضحة حاملة لاقتراحات جريئة أمام المعضلة السياسية والتبشيرية الكبرى للنظام، وهذا ما تقتضيه أطروحة الإصلاح ودلالتها في الأصول التي أقرتها تجارب تاريخية متعددة.

كما أن تحميله مسؤولية التذمر الاجتماعي وفقدان الثقة في الدولة والسياسة للتيار المحافظ مجرد استباق لخلق توازنات مجتمعية واستمالة الشارع، ثم تحضير «كاستينغ» جديد متحكم فيه يدير حكومة ما بعد انتخابات 2021.

يبقى كلام محمد خاتمي «الإصلاحي المعارض» محمولاً على تناقض صارخ يكشف في نهاية المطاف عن أنه وجه آخر لأطروحة التيار المحافظ الذي ناصبه في الظاهر العداء مباشرة، لأن مختلف أطروحاته، ومنها كلامه الأخير عن أزمة السياسة، والفرضية المُحتملة لمقاطعة الانتخابات من طرف الإيرانيين، لا تدل على أية قطيعة إيديولوجية مع أطروحة التيار التقليدي المتمثلة في المنطلقات والأهداف الإستراتيجية للأيديولوجيا العميقة للدولة الإيرانية.

يعتبر محمد خاتمي ورقة سياسية في يد النظام، يوظفها بسرية تامة في خلق التوازنات السياسية بين الجناح المحافظ المتشدد والجناح المحافظ المنفتح، لذلك، فهو لا يمثل أبداً تياراً سياسياً إصلاحياً بمنظور فكري يتجاوز البنيات المؤسسة للمنظومة الأيديولوجية للدولة الإيرانية، لأنه لا يدعو إلى تفكيك المركب الدعوي التبشيري، ولا ينتصر للحقوق ومأسسة الاختلاف.. إنه وجه آخر لطموح إيران في التوسع الأيديولوجي، لتأثيث مشهد المعارضة ولعب دور الواجهة الديمقراطية بالطريقة التي يروجها النظام السياسي الإيراني.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟