فاروق جويدة

شاعر وكاتب صحفي ــ مصر

الثقافة العربية تعاني اليوم نقص المناعة أمام أفكار تشكك في كل شيءسألت يوماً الموسيقار محمد عبد الوهاب: لماذا تراجع مستوى المواهب في ثقافتنا وفنونا العربية؟، حيث إن الإبداع لم يعد كما كان فليس لدينا اليوم أم كلثوم ولا رياض السنباطي ولا طه حسين أو عباس محمود العقاد، كما أنه ليس لدينا حديقة تشبه تلك المواهب التي زينت وجه الثقافة العربية في عصرها الذهبي..

قال عبد الوهاب: إن الزمن أحياناً يستريح وهذا حق من حقوقه، ليس من الضروري أن تتشابه ثمار النخيل كل عام، ولا ينبغي أن تلد الخيول ما يشبهها دائماً.. إن الأرض تستريح، والحدائق أيضاً تحتاج بعض الوقت لكي تجدد ثمارها..

ولا بد أن نعترف بأن حدائق الثقافة والفكر والإبداع في عالمنا العربي لم تعد كما كانت، لقد اختلفت كثيراً موازين الأشياء وأصبحنا الآن نسمع غناء مختلفاً في مستوى كلماته وألحانه وأصواته، وحتى حدائق الفكر أصابها البوار ولم يكن أحد يتصور في يوم من الأيام أن الأرض التي أنجبت علماء العرب الكبار يمكن أن تخرج منها حشود داعش ودعاة الكفر والبهتان، وأن نجد بين شبابنا من يقتل ويدمر تحت راية الإسلام دين الرحمة والسلام.

إن شبابنا الآن انقسم على نفسه ما بين أجيال أغرقت نفسها في متاهات الماضي وتصورت أن الكتب الصفراء يمكن أن تضيء العقل العربي مرة أخرى، وبين فريق آخر تصور أن المعاصرة تعني اللجوء إلى ساحات الاجتهاد الخاطئ والفكر المتطرف.. هناك من ذهب إلى الماضي تحت دعاوى الأصالة.. وهناك من أنكر الماضي تحت شعارات الحداثة، رغم أن لدينا رصيدا من الثوابت يمكن أن نواجه به دعاة التطرف من كل الاتجاهات والأفكار..

إن الثقافة العربية تعاني الآن من نقص المناعة أمام أفكار تشكك في كل شيء وأفكار أخرى تريد أن تهدم كل شيء وما بينهما فريق يحاول أن يصل إلى حقيقة التوازن في المواقف والرؤى.. شبابنا يهربون إلى بلاد أخرى لأننا لم نعد نقدم لهم ما يروي ظمأهم من الفكر والعلم والإبداع، وملايين من الشباب العربي يتجهون الآن إلى الأفلام الأجنبية، لأنه لا يوجد أمامهم البديل العربي الذي يحرك الخيال ويغذي الفكر وهم يتجهون إلى الغناء الأجنبي لأن ما لديهم لا يكفي ولا يرتقي بأذواقهم وهم يبحثون عن الحرية في الحوار والفكر والمواقف أمام مجتمعات لم تؤمن بعد بلغة الحوار..

لا بد أن نعترف بأن الأجيال التي شاهدت كل هذه الدماء وهذه الحروب قد تشوهت فكراً ووجداناً وعلينا أن نلوم أنفسنا أولاً..

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


لقد نسيت الأجيال الجديدة لغتها العربية كلاماً وغناء وفناً، والأزمة الحقيقية أننا لا نقدم لشبابنا الدين الصحيح.. وبعد ذلك كلهم يتساءلون: إذا كان المجتمع حتى الآن وفى زمن السماوات المفتوحة ما زال يسد أمامنا كل أبواب الحوار.. وبعد ذلك يقال لنا: إن الزمن استراح.. والحقيقة أننا نعيش في زمن قرر أن يستريح ولا يتعب نفسه.