مارك لافيرني

باحث متخصص في الشرق الأوسط وأفريقيا ــ فرنسا

كشف قرار خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، من حيث المبدأ ومن حيث تنفيذه الهش، عن فشل كبير في الحلم الأوروبي، لكن ثمة العديد من الأمثلة الأخرى عن انقسام الاتحاد الأوروبي نفسه إلى جانب الانقسامات الوطنية حول قضايا رئيسة، تضع مسألة التضامن على المحك سواء فيما يتعلق بمعاملة المهاجرين أو السياسات الاقتصادية والمالية، وخروج بريطانيا هو التعبير الأكثر وضوحاً عن هذه التناقضات العميقة، حيث ينظر المؤيدون إلى مستقبل وهوية بريطانيا عبر التاريخ كدولة ملاحية تقود السوق المالي العالمي من مدينة لندن، وتعد القواعد والاتفاقات التي توصّف السوق الأوروبية المشتركة والعملة الموحدة ومنطقة «شنغن» بمثابة قيود لا تحتمل على المصير الوطني لبريطانيا العظمى.

ومن ناحية أخرى، يعترف البريطانيون المؤيدون للانضمام للاتحاد الأوروبي بانتصار الجغرافيا عبر التاريخ، ويعكس هذا الشعور تقاربهم مع جيرانهم الأوروبيين من حيث الثقافة والمصالح الاقتصادية.

والواقع، أن هذا الصراع موجود في الواقع في كل دولة أوروبية، وإن كان بكثافة أقل، كما ظهر في فرنسا من خلال حركة «السترات الصفراء»، والسؤال هنا: هل على العالم العربي أن يتعلم درساً ما من هذا الصدع المستعصي على الحل على ما يبدو؟.

لقد مرَّ العالم العربي بمحاولات عديدة للاتحاد عقب سنواتٍ من التبعية الاستعمارية على أمل إعادة الوحدة الضائعة زمن الخلافة الأموية والعباسية، لكن هذه المحاولات التي بادر إليها بعض القادة الطموحين لم تدم طويلاً، لأنها تجاهلت الحقائق الراهنة المتمثلة في بناء الدولة والأمة داخل حدود استعمارية موروثة، ولا يمكن الاعتماد فقط على التاريخ والقيم المشتركة بل يجب الأخذ دائمًا باختلاف التصورات والمصالح الخاصة، بحيث تصبح تلك الاختلافات أصلاً وليس التزاماً.

ويعدُّ النجاح المدهش لاتحاد الإمارات العربية المتحدة مثالاً يستحق التأمل، ليس فقط داخل العالم العربي، بل على المستوى العالمي، فخلال أقل من نصف قرن، نجح الزعماء ذوو البصيرة والتفاني في بناء دولة قوية وفاعلة ومفيدة، أصبحت أمة موحدة ذات سيادة وعزة اتحدت حول وجهات النظر والقيم المشتركة التي حشدت معاً سعياً نحو مستقبل باهر.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟