مروة السنهوري

تحولت من ديباجة شكر وامتنان إلى الغريب والمتمرد

تحولت إهداءات الكتب من ديباجة يقدم فيها الكاتب شكره لأناس لهم أياد بيضاء عليه، إلى تحميلها رسائل تغازل عقول القراء لا سيما الشباب ويدعو بعضها إلى التمرد على القبح وتحرير العقل، بالإضافة إلى تقديم ما هو مميز يخطف الأنظار، حيث يعرض الكاتب منظوره بصورة ملفتة وجاذبة عبر نص أدبي مبهر، غير مألوف، يستدرج القارئ إلى متن الكتاب.

وشهدت الإهـداءات تطوراً ملفتاً واكب تطور صناعة الكتب نفسها، لا سيما بعد ظهور المطابع الحديثة وعادة ما يعبّر الإهداء عن نوع من خطاب شخصي أو يجسد مشاعر الامتنان أو الصداقة، وهو فن بدأ في العهد اليوناني القديم، حيث يأتي بكلمات قليلة مليئة بالحب والشجن، طريفة ورشيقة ومداعبة معترفة بالفضل والجميل في معظم الأحيان.

وعلى الرغم من احتفاظ الذاكرة الأدبية بإهداءات غريب ة لعدد من المؤلفين والشعراء، اتسمت بالبعد عن تقليدية الطرح، إلا أن الكثير من المؤلفين أكدوا أن «فن إهداء الكتب» ازدهر بالأساس، في القرن الماضي.

وأكد كتّاب أن كثيراً من إهداءات الكتب لا سيما تلك الغريبة والجاذبة تأتي لغرض تسويقي، حيث تدفع القراء إلى شراء الكتاب، مشيرين إلى أن مكانة الإهداء تكاد تفوق العنوان نفسه عبر كشفها عن المكنونات الداخلية للكاتب.

وأشاروا إلى أن الصيغة الغرائبية في الإهداءات تسهم بشكل فعال في رواج الكتب وتسويقها بشكل جماهيري مبتكر.

لفت الانتباه

أخبار ذات صلة

«إصدارات أدبية تسجل تاريخ الوطن» ندوة بالأرشيف والمكتبة الوطنية
«دبي للثقافة» تدشن «التبدّل والتحوّل» في مكتبة الصفا


أفادت الكاتبة الإماراتية صاحبة كتاب «حدث في الجامعة الأمريكية» وفاء أحمد أن فن إهداء الكتب فكرة قديمة جداً، زاد انتشارها في العصر العباسي ولم تقتصر على الكتب الأدبية بل تعدتها إلى كتب العلوم والبحث العلمي.

وبحسب رأيها تحولت إهداءات الكتب في الوقت الحالي إلى غرض تسويقي بحت، حيث يحتوي الإهداء على كلمات لا تتجاوز أصابع اليد، ويسعى البعض إلى تحميله الكثير من المدلولات الفكرية للمؤلف.

واستشهدت بالشاعر بلند الحيدري الذي أهدى كتابه «أغاني الحارس المتعب» إلى بائع الصحف الصغير، وميرال الطحاوي التي أهدت روايتها الأولى «خباء» إلى جسدها.

حس مختلف

أكد الكاتب عبد الفتاح المحمودي أن محاولة فهم مقاصد الإهداء قد تكون أمراً صعباً جداً، لكن بشكل عام تتميز إهداءات الكتب الشعرية والروائية بحس مختلف عن مؤلفات الأبحاث أو الدراسات، فلغة الأولى تبدو محملة بالإيحاءات والمشاعر.

وشدد على أن الإهداء لا يقل أهمية عن عتبة النص «العنوان» لأنه مدخل مهم ينسجم مع المضمون الداخلي ويعد أمراً ذاتياً وبوابة تدل على طريقة تفكير المؤلف المحكوم بضوابط فنية ومنهجية.

مقبلات الطعام

من جانبه، وصف الناشر والكاتب علي المرزوقي إهداءات الكتب بـ «مقبلات» الطعام، مشيراً إلى أنها فن يعكس شخصية الكاتب.

وأشار إلى أن أغلب الإهداءات تجسد معاني ومشاعر الامتنان، وعلى الرغم من صعوبة معرفة مقاصد الكتاب الكامنة وراء الإهداء إلا أنه يعتبرها بوابته لقراءة الكتاب ومحفزاً رئيساً على الشراء.

و اعتبر الإهداءات مباراة عقلية مع القارئ ليتأمل عوالم المؤلف ومعاناته من فعل الكتابة والإبداع، مشيراً إلى أنه يختزل جهد المبدع في التعبير عن رؤاه وربما في الإهداء يعرف المؤلف عن توجهه الفكري.

مكاشفة نفسية

في سياق متصل، أكدت ولاء الشحي حرصها على قراءة إهداءات الكتب قبل شرائها لأنها تكشف عن شخصية الكاتب وتحمل بين طياتها لحظات مكاشفة نفسية وإنسانية عميقة جداً.

وأشارت إلى أن هناك إهداءات تبتسم فور قراءتها لأنها أشبه بروشتة مليئة بالتفاؤل والدعوة للوقوف أمام المشاكل وحلها بسهولة، مثل كتاب تركي الدخيل الذي روى فيه تجربته مع الرشاقة وأهدى كتابه للميزان قائلاً «إلى الميزان بأنواعه المختلفة العادي والرقمي».