د.سليم قلالة

باحث في المستقبليات ـ الجزائر

لم ينتصر العقل في الاحتجاجات التي عرفتها المنطقة العربية لحد الآن.. غالبيتها إما انتهت إلى صراع عرقي قَبَلي أو إلى فتنة دينية طائفية، هل ستكون الجزائر استثناء؟ رُفِع في الجزائر في المسيرات الأخيرة عَلَمُ الهوية الثقافية الأمازيغية دون أية إشكالات، إلا أنه بمجرد رَفعِ عَلَمِ الحركة الانفصالية لمنطقة القبائل (MAK) في نقطة أو نقطتين، تصدَّت له جموع المتظاهرين، وتم طرد رافعيه من قِبل حاملي راية الهوية أنفسهم، وحدث الشيء ذاته في أكثر من عاصمة غربية، وانبرى عدد كبير من رموز منطقة القبائل قبل غيرهم في الداخل وفي الخارج إلى المناداة بأن لا راية فوق الراية الوطنية، التي استشهد من أجلها مليون ونصف مليون من الشهداء.

وبدا كأن صراع الهوية والعرق قد تمت السيطرة عليه بالإجماع، إلا أن هذا لا يعفينا من النظر إلى هذه الحادثة كإشارة حاملة للمستقبل، فهل هناك مَن يُدبِّر للانحراف بالاحتجاج الشعبي ذي الطابع السياسي بالدرجة الأولى نحو بدائل غير عقلانية كما حدث في أكثر من بلد عربي؟.

وفي الجانب الآخر لم يبرز التيار الإسلامي بلافتات مُمَيِّزة له، في أي جانب من جوانب هذا الحراك، وسارت الكثير من رموزه جَنباً إلى جنب مع المواطنين دون أي تمييز، ولم تُرفَع أيٌّ من الشعارات الإسلامية المعروفة لدى الجزائريين، مثل تلك التي اكتسحت الشارع في بداية تسعينات القرن الماضي، على الرغم من بقائها راسخة في الأذهان، بل بدا كأن أكبر حزب سياسي إسلامي، أي الجبهة الإسلامية للإنقاذ، لم يَعُد يرغب في الظهور.

هل سادت العقلانية التيار الإسلامي وتم الامتناع إرادياً عن إعطاء الحراك بعداً دينياً؟، وهل تمكَّن العقل من الإبقاء على البُعد الثقافي ضمن حدوده في الحراك الشعبي، وتم مَنعه من أن يتحول إلى صراع عرقي؟، وهل سيكون ذلك استثناء عربياً فيما حدث من احتجاجات؟.

يبدو لحد الآن أن هناك تياراً شعبياً جارفاً قد تمكَّنت منه العقلانية إلى أبعد الحدود، ولم يعد مقبولاً بين المتظاهرين أن ينادي أحد بانتمائه العرقي أو الديني، بل الكل يجمعهم وطن واحد يعيشون فيه «خاوة خاوة» (أخوة، إخوة) كما جاء في أحد الشعارات الأكثر رواجاً.. وتلك بكل تأكيد إشارة مستقبلية واضحة إلى الرغبة في التوجه نحو الدولة المدنية العصرية، إذا لم يكد لذلك الكائدون.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟