د.قصي همرور

باحث في الحوكمة والتنمية ـ السودان

دوائر علوم الأرض (جيولوجيا، جغرافيا، إيكولوجيا، مناخ، إلخ) وصلت لتوافقٍ عام على أن كوكب الأرض دخل مؤخراً مرحلة جديدة من سيرة تخلّقاته الكونية.

هذه المراحل يتعامل معها العلماء باعتبارها أطوار نمو أو تغيّر، ففي بدايات الكوكب، مثلاً، كان عبارة عن كتلة ساخنة لا تصلح للحياة، وليس لديها أتموسفير (غلاف جوي) كما كانت تتعرض لارتطامات نيزكية متوالية جعلتها كتلة غير مستقرة عموماً (مثلاً القمر اليوم هو نتيجة ارتطام كوكب آخر، أصغر من الأرض بالأرض في المراحل الأولى لتشكل المجموعة الشمسية).

بعد ذلك بدأت مرحلة اتزان سرعة دوران الأرض حول نفسها ومسارها حول الشمس، ثم برود السطح وتكوّن أتموسفير، ثم مراحل تكون الماء واليابسة، ثم مرحلة انفصال القارات بعضها عن بعض بفعل الارتطامات والافتراقات للصحون التكتونية (التي تشكل القشرة الخارجية للكوكب)، وبين هذه وتلك بدأت ملامح الحياة تظهر (وكمثال فقد سبق ظهور النباتات ظهور الحيوان). هذه عموماً صورة مختصرة جداً وغير دقيقة لمراحل تشكل الكوكب، حسب التصوّر العام لدى علوم الأرض.

الأنثروبوسين مسمّى لعصر جيولوجي جديد، هو عصرنا الحالي حسب ما تقول الآن الدوائر العلمية المختصة، ويعني هذا العصر باختصار أن كوكب الأرض قد دخل مرحلة أصبحت فيها كيمياؤه نفسها - أي تفاعلاته ومخزوناته الباطنية ومعادلاته المناخية، وتوازن عناصره - متأثرة بأنشطة البشر، أي الكائنات الأكثر نشاطاً وابتكاراً وتغييراً في النظُم البيئية (الإيكولوجية) للكوكب وكذلك في تضاريسه.. هذا شيء غير ضئيل، ولم يحصل من قبل أن قامت كائنات عضوية صغيرة في هذا الكوكب الضخم بتغييره لدرجة يدخل معها مرحلة جديدة من تخلقاته.

من ناحية، هذا مؤشر ضخم لجبروت البشر بواسطة التكنولوجيا الحديثة، في ذلك الشأن ظهر أيضاً مصطلح «التكنوسفير».

من ناحية أخرى، فمن إشكالات هذا التحوّل الكبير أن معظم تأثير البشر في الكوكب حالياً ليس تأثيراً إيجابياً (بمعنى عموم صلاحيته لاستدامة الوجود الحيوي فيه).

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


ظاهرة تغيّر المناخ (الاحتباس الحراري)، والتدهورات والكوارث البيئية المتتابعة بعض سمات عصر الأنثروبوسين، وينبغي علينا، كبشر عموماً، مواجهة هذا الأمر.