خالد الروسان

كاتب سياسي ــ الأردن

منفّذ مجزرة المسجدين في نيوزيلندا اعتبر نفسه صاحب مبدأ ورسالة، استحضر التاريخ بكل أبعاده الثقافية والدينية والفكرية والمناطقية والأمنية، ترك عشرات الصفحات على الإنترنت تتحدث عن ما يؤمن به هو وغيره حول موضوع المهاجرين المسلمين.. الرجل ربما كان مؤدلجاً ومسيساً وموجهاً، لاحظوا الكم من المعلومات والأحداث المكتوبة على سلاحه، فهو يحمل همّ إنقاذ الغرب من الزحف الأخضر، وهو أيضاً يعادي دولاً كانت قد حكمت أوروبا في الماضي مثل الدولة العثمانية، ويتخذ كذلك لنفسه قدوات ومراجع ومثل عليا، فلا يبدو أرعناً أو صاحب تصرف فردي.

تفوق الرجل الأبيض موضوع ثقافي تاريخي استشراقي قديم ومعروف، لطالما شكّل خلفية فكرية ونفسيّة للغرب وشعوبه، وهو موجود في النفوس والانطباعات والذاكرة، شدّد عليه منفذ هجوم نيوزيلندا باعتباره قضية مركزية عنده لتبرير ما فعله، وربما محاولة منه لإيجاد مرجعية أساسية ذات بعد فكري وثقافي وتاريخي للتعامل مع تركيبة وتوليفة المجتمعات في الداخل الغربي، أمّا في الخارج فقد مُوِرس وطبّق ونفّذ منذ قرون عن طريق الصراعات والاستعمار والاحتلال والسيطرة في مناطق كثيرة.. فهل هذا يعني أن هناك تياراً وتوجهاً وراء مجرم نيوزيلندا يمثّل توجهات قادمة تجاه المهاجرين والأقليات خاصة المسلمة منها؟

من جهة أخرى، ما هي فحوى الرسائل من هذا الحادث والتيار الواقف خلفه؟، هل المراد تخويف المسلمين من الهجرة إلى الغرب، أم محاولة دفعهم لترك تلك البلاد، أم تحذيرهم من ممارسة عقائدهم وعباداتهم وثقافاتهم ونقلها إلى هناك؟

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

أيا كانت الدوافع والأسباب، فهناك اليوم ربما معطيات جديدة وخطيرة أمام الجاليات المسلمة في الغرب القديم والجديد، سواء من كان من أفرادها مكتسباً للجنسية أو مقيماً، فكيف تنظر هذه الجاليات اليوم لهذا الأمر؟، وكيف بدأت تحسب لذلك؟ وما هي قدرتها على الصمود والثبات؟ وما هي آلياتها للدفاع عن نفسها وإثبات حقوقها؟.. كل هذه الأسئلة وإجاباتها ستكون مدار نقاش كبير مقبل بينها ومع الغرب، حيث يمكن القول: إنّ حادث نيوزيلندا ربما سيكون أمراً مفصلياً وحاسماً ومهماً في مستقبل تلك الجاليات المسلمة في ذلك العالم.