د. عبدالله الكمالي

باحث شرعي ــ الإمارات

أوراق صفراء عتيقة سطر عليها علماء وأدباء على مر التاريخ الإسلامي خلاصة أفكارهم، وعصارة تجاربهم، وانتقلت هذه الكتب القديمة من جيل إلى جيل إلى أن وصلت إلينا، وبعضها كتبت قبل ألف سنة وأكثر، والعجيب أن كتب التراث انتقلت من بلد إلى بلد، فبعض مخطوطات نجد وجدت في الهند، وبعض كتب علماء العراق وجدت في المغرب، ووقفت على عالم سندي الأصل توفي قبل ثلاثة قرون تقريباً في المدينة النبوية، عثر على بعض كتبه في بلغاريا! وكتب التراث تمثل عبق الماضي وتبين دور العلماء في صناعة الفكر ونشر العلم وبثه، رغم أن كتابة مجلد واحد بالطريقة القديمة تأخذ وقتاً طويلاً وجهداً عظيماً إلا أن العلماء والنُّساخ احتسبوا الأجر في ذلك ورجوا ما عند الله تعالى، وحق لأمتنا أن تفخر بهذه الكتب العتيقة، ولو كانت الكتب تابعة لبعض الثقافات والحضارات الأخرى لرأيت من أهلها احتفاء عظيماً بها، ولكن ما نشاهده للأسف الشديد من بني جلدتنا نحو التراث الإسلامي أمر يدعو للحزن والألم، فينظرون إليها نظر ازدراء واحتقار، بل يرون أنها من أسباب التخلف والانحطاط.
ما هكذا يكون الاعتدال في الطرح، ومن كان عنده شيء من النقد العلمي فليتكلم بلغة ومنهج وأسلوب العلم، وأما إلقاء الكلام جزافاً على النحو الذي نسمعه هذه الأيام، فإنه يعد ظلماً للتراث بأكمله، وهو خطأ له عواقب وخيمة وتجنٍّ واضح على تاريخ مجيد.
كتب التراث شأنها شأن أيّ كتاب ثقافي ومعرفي، فما كان فيها من شيء يقبل النقد فالأمر سهل ويسير، وما يزال العلماء ينقدون غيرهم بأدب وعلم، وأما إهدارها بالكامل فلا يمكن أبداً،وهي تمثل ثراء معرفياً للبشرية كلها يدركه الغرب جيداً، لذا يحتفظ بالمخطوطات الإسلامية في عدد من مكتباته، كما هي الحال في مكتبات ألمانيا وفرنسا وإسبانيا وأمريكا وغيرها من البلدان، رغم الكلفة المادية المرتفعة لصيانة المخطوطات وحفظها، وهناك إدراك عالمي بأهمية كتب التراث، واعتبارها من الكنوز التي لا يمكن التفريط فيها.. فليت بعض من يسل سيفه على التراث يتعلم منهم، ففي ذهابها الذاكرة الاجتماعية للأمة، ومحاولة تغيبها بالنسيان أو بالانتقاد أو بالإنكار لها بشكل كلي، يقضي بقصد أو بدونه على ميراث جميل من ماضينا المجيد.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟