عمر عليمات

كاتب ومستشار إعلامي ـــ الأردن

هم يتراجعون شعبياً، والأرقام تقول ذلك، لكنهم يمتلكون إعلاماً مؤثراً ودعماً خارجياً، يقلب الحقائق ويزيف الوقائع، هكذا يرى عدد من الإعلاميين التونسيين إخوان تونس، ممثلين بحزب النهضة، ممن جمعني بهم حديث على هامش القمة العربية، حديث يتسم بالمرارة عندما تستغفل الشعوب عبر إعلامها الذي من المفترض أن يكون أداة لإظهار الحقائق والدفاع عن الشعوب لا مضللاً لها.

الأرقام تظهر أن الأصوات التي حازها حزب النهضة عام 2011 فاقت مليوناً ونصف المليون صوت، وتراجعت إلى 500 ألف صوت، أي إلى نحو 10 في المئة من مجموع الناخبين، نزولاً من 29 في المئة.

المرارة التي عبر عنها إعلاميون تونسيون تعكس الواقع الذي باتت عليه مؤسسات إعلامية عربية عديدة، تعمل على التأثير السلبي في الرأي العام، خدمة لأجندات محددة لأحزاب شعاراتها تنادي بالحرية والشفافية والمصداقية، وتكفر بالتدليس والتضليل، إلا أنها تمارس الضد تماماً.

على حزب النهضة وما شاكله أن يدرك أن الشعوب لا يمكن اختصارها واختزالها في حزب أو جماعة، وأن يعي أن ركوب موجة الاضطرابات التي شهدتها دول عربية مجرد فاصل إعلاني، ستعود بعده الأمور إلى نصابها الطبيعي.

الحديث مع التونسيين يظهر لك مدى عشقهم للحياة وانفتاحهم عليها، فطبيعتهم ترفض التشدد والانغلاق، لذلك لم تفلح مؤسسات التزييف الإعلامي في التلاعب بوعيهم لفترة طويلة، فكانت النتيجة واضحة في صناديق الاقتراع.

التونسيون يرفضون حزب النهضة، ولكن ماكينته الإعلامية ستبقى تعمل لتغيير هذه النتائج عبر تغيير القناعات، ففلسفة الكذب المستمر قد تنجح أحياناً.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


النقاش الذي تناول الكثير عن الواقع التونسي، ذكّر بناقوس الخطر الذي يدقه عدد من الإعلاميين، الذين يرون أن الساحة الإعلامية أصبحت مستباحة من قِبل تدخلات خارجية تدعم توجه حزب النهضة، وأن الإعلام أصبح مستهدفاً، لذا على الجميع أن يعي أن المشهد الإعلامي تغير، الأمر الذي يفرض علينا التعامل مع الخصم بأدواته نفسها وعدم ترك الساحة له ليتلاعب بها كيفما يريد.

تعزيز وتطوير المؤسسات الإعلامية المستقلة أصبح ضرورة، ووضع الأنظمة والقوانين، التي تمنع تغول الإعلان السياسي الذي أصبح مصدر ضغط للتأثير في الإعلام بمختلف أشكاله، للترويج لسياسات وقضايا تخدم المُعلِن ومَن يقف خلفه، أصبح ملحّاً.

باختصار، الطبيعة ترفض الفراغ، وإذا ما تركت الساحة فإن أصحاب الأجندات سيملأون هذا الفراغ، وسيبقى الرأي العام فريسة يتناهشونها.