د.عماد الدين حسين

خبير قانوني دولي

«إلى الذين يجدون ما لا ينفقون وإلى الذين لا يجدون ما ينفقون».. تلك كلمات عميد الأدب العربي طه حسين في كتابه «المعذبون في الأرض»، الذي كان له الأثر العظيم في نفس الدكتور محمد مشالي، ذلك الطبيب المصري الأصيل الذي أعاد «أنسنة» الطب برقة قلبه وتعاطفه مع (الطبقة المطحونة) كما أطلق عليها، في رحلة عطاء استثنائية استشعر خلالها معاناة مرضاه الصحية والاجتماعية، وتقاسم معهم الألم ليصنع الأمل، فكان طبيباً إنساناً أكثر منه طبيباً مداوياً.

في حوار تلفزيوني أجراه مؤخراً الإعلامي محمود سعد، عرفنا أن الدكتور محمد مشالي صاحب الـ 75 عاماً، طبيب ممارس في مدينة طنطا بمحافظة الغربية منذ خمسين عاماً، يعمل ما يزيد على 12 ساعة يومياً على مدار الأسبوع بدون إجازات وبأجر رمزي.

يعيش على وجبة واحدة، ويمارس المشي، وهوايته القراءة بنهم، يبدأ يومه بعيادته بمدينته في العاشرة صباحاً ويختمه في عيادتين للفقراء في قريتين قريبتين، تزدحم تلك العيادات يومياً بعشرات المرضى من الفئات «المطحونة» على حد تعبيره، أغلبهم لا يجدون ثمن الكشف الطبي.

وأنت تستمع لقصته، تستشعر كأنك في حضرة ناسك في محراب رسالة الطب الإنسانية، نبضه عطاء غير محدود لمن لا يملكون من يومهم إلا ما تسعى به أقدامهم، فسخّر علمه وخبرته لتطبيب «الطبقة الفقيرة» في مجتمعه بأجر رمزي يكفيه لسد حاجياته.. إنه طبيب من طراز خاص يسكنه الإنسان ولا تهمه طموحات المال والبنيان، ولا تشغله الحياة الحديثة برفاهيتها وحساباتها، لأنه يؤمن بأنه صاحب رسالة، همه وهمته تحقيق العدالة الصحية لمجتمعه.

كرر الدكتور مشالي أكثر من مرة خلال اللقاء أنه سعيد وراضٍ بما اختاره الله لحياته: «لقد أعطتني الدنيا أكثر مما كنت أتمنى وأكثر مما أستحق»، وأن «كل إنسان مهيأ لما خلق له»، فاستحق لقب «طبيب الغلابة».

لقد لخص هذا الطبيب الإنسان في هذا الحوار ممكنات أصحاب الرسالة ونتائج أهل العطاء.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


رسالة الدكتور مشالي استثنائية حين سخّر علمه وتصدق بجهده ووقته، حتى بعد أن بلغ من العمر عتياً، لتوفير العلاج لمن لا يملك ثمنه، فكان الحصاد صحة ونشاطاً ورضاً، وبركة في الرزق، وفخراً بأبنائه المتفوقين، ومحبة وتقدير مجتمعه.. كلنا أمل أن تضم منصة صناع الأمل في دورتها الحالية هذا الصانع الذي داوى الآلام بجميل الآمال.