عبدالجليل معالي

كاتب صحفي ــ تونس

إسقاط خلاصات التجربتين التونسية والمصرية على الحراك الجزائري الراهن، يمثل نزوعاً كسولاً وتبسيطياً. الإسقاط الذي كان يتقصّد المقارنة «التحذيرية» يهمل الخصوصيات الاجتماعية والسياسية والتاريخية التي تميز المشهد الجزائري عن النظائر التونسية أو المصرية.

الحراك الجزائري الذي انطلق يوم 22 فبراير الماضي، ورغم عفويته التنظيمية، كان واعياً بالتجارب السياسية المقارنة.. كان يستحضر المثال التونسي في الاستعصاء السياسي، وكان مدركاً للتجربة المصرية في سطوة الحضور العسكري، وقبل ذلك كان حساساً من العشرية السوداء التي لم تعشها الأجيال الشابة التي تهتف في الشوارع، لكن الأثر البليغ يمكن تلمّسه عند عموم الجزائريين. كل هذه العوامل تضفي على الحراك الجزائري ومآلاته السياسية، تفرداً سياسياً لا تجوز معه المقارنات، ولا تنفع معه النصائح السياسية التي تدلي بها دول ومنظمات دولية.

انطلق الحراك الشعبي يوم 22 فبراير، وكان يعلي من سقف مطالبه إلى حين الوصول إلى شعار سياسي كثيف «تتنحاوْ قاع»، أي المطالبة برحيل كل المنظومة السياسية الحاكمة.. كان هذا المطلب محرجاً لكل أركان البيت السياسي، سلطة ومعارضة ومجتمعاً مدنياً.

السلطة وعت جدية الأصوات الشعبية التي كانت ماضية في شعارها، والأحزاب المعارضة كانت مدركة لعجزها عن إنتاج البدائل، والمجتمع المدني كان يحاول التوفيق بين مشروعية الأصوات الشعبية وبين تفادي خلل سياسي قد يصل حد الانسداد. أصدر بوتفليقة نص استقالته السريع، وتلا الاستقالة موقف عسكري صارم «أي قرار يتخذ خارج الإطار الدستوري مرفوض جملة وتفصيلاً».

في هذا الحد من المواقف بدا أن الوضع الجزائري مشوب بصراع إرادات.. الموقف العسكري الذي انتصر للموقف الشعبي ضد الدائرة الضيقة المحيطة ببوتفليقة، وهذا يعني أيضاً وجود صراع داخل المنظومة نفسها، وأن الشرعية التاريخية التي تدثر بها بوتفليقة وصحبه طوال عقود، لم تعد صالحة بالمنظور المعاصر.. كانت الأسئلة تتهاطلُ على الحراك الشعبي. ماذا بعد بوتفليقة؟ هل أفرز الشارع قياداته التي تتيح له أن يتدبر تأثيث اليوم التالي، أم سيركن إلى الطبقة السياسية القائمة، ليتزود منها بمن سيؤمن له غده السياسي؟ لم يكن الشارع معنياً بهذه الأسئلة وكان يؤجلُ أولوياته، فالمهم اليوم أن ترحل «العصابة الحاكمة» (كما وصفها بيان القيادة العسكرية) ثم سيواصل ضغطه لاختيار الهندسة اللاحقة للمشهد.

في هذا الباب يطل على البلاد صراع إرادات آخر عنوانه الشعب أو الدستور؛ بمعنى كيف يمكن الاستجابة لمطالب الشارع والوفاء لأحكام الدستور التي تظلل الواقع السياسي في الجزائر، وهي تعيش اختباراً مريراً يخضع له الجميع: الشارع والمؤسسة العسكرية والأحزاب السياسية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟