مصطفى طوسه

كاتب وإعلامي ـ فرنسا

ليست فقط وحدها وسائل الإعلام العربية بقنواتها التلفزيونية وشبكات تواصلها الاجتماعية، التي تابعت عن كثب مجريات الحراك الاجتماعي الجزائري.

فمنذ الأيام الأولى لاندلاع الاحتجاجات توّلد انطباع سريع في الأوساط الإعلامية السياسية والأوروبية أن شيئاً ما من طينة الأحداث التاريخية الحادة يجري حالياً في الجزائر.

وكانت الصور الأولى لهذا العصيان المدني الجزائري بحلة أناشيده السلمية وزخرفة شعاراته الساخرة هي من يستقطب الرأي العام الأوروبي.

بدأ تعاطف وسائل الإعلام بمختلف أطيافها من خلال فتح صفحاتها للمجتمع الجزائري، وسمحت بعض العواصم الأوروبية، وفي مقدمتها باريس، للجزائريين وللفرنسيين بالتعبير عن تعاطفهم، ومساندتهم لهذه الانتفاضة الشعبية السلمية ضد عهد رفض الأفول والاندثار وتمسك بالسلطة حتى جفت دماء الحياة في عروقه.

الاهتمام الأوروبي بمصير الجزائر لا يأتي فقط من باب التعاطف مع شعب هب للتخلص من قبضة حديدية، بل جاء نتيجة الإحساس بأن المصالح العليا لهذا الفضاء الأوروبي ـ الذي يئن أصلاً تحت وطأة الطلاق البريطاني ـ أصبحت مهددة في حال عاد الجزائريون إلى صراعاتهم العنيفة حول السلطة، كما فعلوا في العشرية السوداء ـ عاشها معهم الفضاء الأوروبي ـ نهاية القرن الماضي.

الجزائر وجع أوروبي من حيث إمكانية أن تنكسر هذه البوابة الأفريقية العملاقة، كما تكسرت البوابة الليبية، وفتحت الطريق لنزيف جعل من الهجرة السرية والإرهاب وأخطار أخرى قاتلة، ألقت بظلال سوداء على أمن واستقرار هذه المجتمعات، وكانت من بين الأسباب الرئيسة التي أنعشت القوى الشعبوية والمتطرفة، وجعلتها تحلم بالاستياء على السلطة، كما جرى ذلك في إيطاليا، وكما يتوقع بعض الأوساط أن يحصل في فرنسا وألمانيا وإسبانيا.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


الجزائر وجع أوروبي من الموقع الذي يحتله هذا البلد في منطقة الساحل، التي تحولت منذ سنوات إلى مرتع للجماعات الإرهابية تحت مختلف مسمياتها، سواء أكانت قاعدة أم داعش أم سلفية جهادية.

انهيار نظام الحكم في الجزائر من وجهة مخاوف الأوروبيين، قد يخلق الظروف الموضوعية لانتعاش جماعات إرهابية مثل تنظيم الدولة الإسلامية، الذي تلقى ضربات موجعة في الشرق الأوسط والخليج، ويبحث عن حاضنة جديدة يسترجع فيها كامل قدرته على تهديد المجتمعات الأوروبية والعربية.

لهذه الأسباب وغيرها، تتابع عواصم القرار الأوروبي بكل أجهزتها بدقة وفزع كبيرين مجريات الأحداث في الجزائر، على أمل ألاّ يؤدي الخصام إلى انفجار، وأن تعيش الجزائر انتقالاً سلمياً يقيها ويلات العشرية السوداء والتجربة السورية الدامية.