مارك لافيرني

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط ـ فرنسا

نظراً لأن الوضع السياسي والأمني في الشرق الأوسط، من سوريا إلى العراق، يختفي تدريجياً من عناوين وسائل الإعلام الإخبارية، فإن الشرارة تقفز لتُشعل أجزاء أخرى من العالم العربي.

إن الأحداث التي نشأت وانطلقت في السودان والجزائر لا تعكس الأسباب نفسها، ولا تسيرها الجهات المؤثرة والفاعلة نفسها، ولا تعبر بالطرق والأساليب والوسائل نفسها عن طموحاتها، غير أنه يمكن استخلاص بعض الدروس والمؤشرات من هذه الأحداث المتسارعة بصفة عامة وجوهرية، بغض النظر عن التطورات القادمة، نلخصها في ثلاث نقاط رئيسة، هي: أولاً، كل وضع داخلي، وطني غريب أو جديد، لا يمكن ببساطة ربطه ووضعه تحت مظلة «الربيع العربي».

ثانياً، في السودان، تعبر التعبئة الراهنة على قضايا سياسة، اقتصادية واجتماعية، أما في الجزائر فتقَاسم السلطة والشرعية هو الهدف المنشود، أما في ليبيا فتتحدى القوة العسكرية الصلبة الحكومة القانونية «الليبية» التي لا حول لها ولا قوة في ليبيا، ولكن المثير أنه لا يوجد أي نوع من «الإسلام السياسي» حتى يعطيها صبغة الأجندة أو جدول الأعمال المرتب مسبقاً.

ثالثًا، يُطلب من القوات المسلحة الوطنية الدفاع عن السلطة في كل الدول، لكن التزامها يبدو هشاً في هذه البلدان، وربما تم تمزيقه وفقاً لتنافس الرتب العليا والسفلى، وتم تقاسمه بين الجيش الوطني والأجهزة الأمنية أو المخابراتية.

حتى الآن، لم يتدخل أي طرف أجنبي خارجي بشكل علني في المواجهات. فهي صرخات سلمية، تنبع من صدامات أجنحة داخلية، تبدأ من إدانة عدم الكفاءة والفساد والمحسوبية المفترضة للذين يتولون السلطة، وتتطور إلى نقاش حول استطلاعات الرأي الشعبي الحر باعتباره المصدر القانوني والشرعي الوحيد للسلطة.

إن الوضع في ليبيا مختلف، حيث تم تقسيم البلاد على أرض الواقع بين القوات المحلية والقبلية، ما فتح الطريق أمام اللاعبين الأجانب في لعبة النفط الكبيرة.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟


والأمر الأكثر إثارة للحيرة هو لامبالاة أوروبا أمام هذه الأحداث على الضفة المقابلة من البحر الأبيض المتوسط، فهي تلعب دور المشاهد. وتعتبر أي متابعة للأوروبيين هي تركيز فقط على مستقبل الاتحاد غير الواضح، حيث إن الأوروبيين لا يزالون يفتقرون إلى سياسة خارجية مشتركة فاعلة.

على الرغم من كل هذا تتجاهل أوروبا حقيقة أن مستقبلها يعتمد إلى حد كبير على الدول العربية والأفريقية عبر الصحراء، فهي ليست مصدر طاقة رئيس فحسب، بل هي مهد ومنبع الهجرات التي تشكل موضوعاً رئيسياً للخلاف بين دول الاتحاد، وفي هذا السيناريو المتسارع، ينبغي على أوروبا أن تقدم مثالاً على الوحدة والانفتاح، في عالم تسوده المواجهة بين الدول الكبرى وبهذا الطرح، فإنه يتعين على الاتحاد الأوروبي أن يدعم هذه الدول في هذه المراحل الحرجة، وسيكون هذا الدعم موضع ترحيب كبير، ما يعكس القيم والمصالح المشتركة التي تبلور المصير المشترك للعالمين العربي والمتوسطي.