مصطفى طوسه

كاتب وإعلامي ـ فرنسا

مع انطلاق حملة الانتخابات الأوروبية اتضحت الصورة الأيدولوجية للأحزاب، التي تخوض هذه المعركة، وتبيّن من عناوينها الرئيسة الوجهة التي تريد بصمها على المشهد السياسي الأوروبي، هي معركة لا تكشف رسمياً عن هويتها، لكن قوامها يدور بين مواجهة ساخنة وقطبين، القطب التقدمي، الذي أراد كل من الرئيس الفرنسي والمستشارة الألمانية تجسيده، والقطب القومي، الذي تعتبر إيطاليا ماتيو سالفيني إحدى طاقاته النابضة والواعدة.

حركة القوميين الأوربيين، وعلى الرغم من التناقضات الداخلية التي تنخر صفوفها، هي حركة شعبوية بنت مجدها السياسي والانتخابي على عاملين أساسيين، الأول يكمن في استغلال «سياسوي» لظاهرة الهجرة، التي تدفقت في السنوات الأخيرة على الفضاء الأوروبي، وقد تفننت في وصف هذه الظاهرة بالاجتياح الذي يهدد بطريقة قاتلة أمنها واستقرارها الاجتماعي، وتعاملت معها وكأنها الشماعة التي تنشر عليها أزماتها الداخلية، كما جعلت من الحقد على الأجنبي محركها الأساسي، حيث ترفع شعار غلق الحدود الوطنية داخل الفضاء الأوروبي، وترحيل جماعي لكل المهاجرين، متجاهلة أدنى ضروريات اللجوء الإنساني والسياسي، وهي ترفع أيضاً شعار التقوقع على الذات، والعودة إلى الدفاع عن المصلحة المحلية الضيقة في مواجهة وجودية لرياح العولمة، التي تعتبرها مدمرة لمختلف الهويات الوطنية.

العامل الثاني، الذي ينفخ في شراع الشعبوية الأوروبية هو الفزع من الإسلام والمسلمين، فخلال عقود عاش مسلمو أوروبا في هدوء نسبي يمارسون طقوسهم الدينية في الهوامش، التي احتضنت اليد العاملة الآتية من الفضاءات العربية والمسلمة، لكن مع اندلاع موجة الاعتداءات الإرهابية التي ضربت أوروبا، وانتشار الفكر الديني المتطرف في صفوف شباب هذه الجالية كالنار في الهشيم .. كانت النتيجة أن وضع الإسلام والمسلمين على المحك، على منصة المتهمين بالإخلال بالنظام العام وتهديد أمن المجتمعات الأوروبية.

لقد استغلت الحركة الشعبوية هذا الفزع وجندته في برامجها الاستقطابي، وتم النجاح الإعلامي الكبير، الذي تحظى به حالياً نظرية الاستبدال الكبير الذي تتحدث عن شعب أفريقي مسلم أسمر، يزحف لكي يأخذ مكان الشعب الأوروبي المسيحي الأبيض.

هذه الحركة الشعبوية الأوروبية تستفيد في اختراقاته من تظافر عناصر دولية، منها أن الإدارة الأمريكية بزعامة دونالد ترامب تشجع مثل هذه الحركات، وأيضاً الدعم اللوجستي الذي يقدمه النظام الروسي لحركات اليمين المتطرف .. لموسكو وواشنطن هدف حيوي مشترك، هو تركيع الاتحاد الأوروبي عبر ضمان نجاح الشعبوية داخل مؤسساته.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟