عبد اللطيف المناوي

هل سيصمد الانقلاب الجديد في السودان أم أن المعادلة باتت قديمة؟

كنت من أوائل الذين زاروا الخرطوم عقب انتفاضة أبريل 1985، فقد كانت طائرتنا هي الثانية التي تحط في مطار الخرطوم بعد طائرة علي التريكي وزير الخارجية الليبي وقتها .. وكنت الأول الذي يصل إلى الخرطوم بعد أقل من 36 ساعة من انقلاب البشير الذي وقع نهاية يونيو 1989، وتوجهت من المطار في عربات الجيش ليستقبلنا قائد الانقلاب وقتها العميد عمر حسن أحمد البشير، ويبثُّ الاستقبال تلفزيونياً باعتبارنا أول وفد إعلامي من مصر، التي أيَّدت الانقلاب في ساعاته الأولى ظناً منها أنه انقلاب موالٍ، قبل أن ينكشف الوجه الحقيقي كواجهة للتيار الإسلامي الذي يتزعمه حسن الترابي .. كان التأييد المصري للانقلاب حاسماً في نجاحه والاعتراف به إقليمياً ودولياً.
حول هاتين التجربتين كلام كثير على المستوى السياسي والمهني والشخصي ليس هذا مجاله الآن، لكن ما أتوقف عنده، تلك الملاحظة حول وجوه السودانيين في الحالتين، ففي أبريل 1985 كانت الملحوظة الرئيسة التي كتبتها وقتها أن ابتسامة السعادة والفخر كانت تعلو كل الوجوه، كان كل سوداني تلقاه في الشارع يبدو وكأنه يريد أن يقول مفاخراً لك: «أنا سوداني شاركت في الانتفاضة ضد نظام النميري»، في المرة التالية عقب الانقلاب رأيت نفس الوجوه، ولكنها كانت تحمل تعبيرات مختلفة، القلق والتوتر والخوف من المجهول كان هو السائد.
مشهد نائب الرئيس ووزير الدفاع بن عوف وهو يقرأ بيان «اقتلاع» النظام السابق وبدء مرحلة انتقالية مدة عامين يعطل فيها العمل بالدستور وتفرض حالة الطوارئ ويتم حل كافة المؤسسات التنفيذية والتشريعية الأساسية، وكذلك الحل بعد إعلانه التنحي، هو مشهد نموذجي لشكل الانقلاب كما عهدته الكثير من الدول، من بينها السودان ذاته، ولكن الأمر المشكوك فيه أن يكون هو المشهد الأخير فيما يشهده السودان منذ أسابيع عدة الاحتجاجات قد تكون فاجأت جميع القوى السياسية في السلطة والمعارضة من حيث التوقيت وسقفها المرتفع أيضاً، لكن الأغلبية تقر بأسبابها .. بدا واضحاً أن تصاعد الاحتجاجات حقق هدفه من خلال دفع الجزء الفاعل من المؤسسة العسكرية إلى الإطاحة بالبشير بانقلاب عسكري، بما يحفظ بقاء النظام، لكن يظل السؤال الذي يلح عليّ: كيف هي وجوه السودانيين اليوم؟، وهل سيصمد الانقلاب الجديد أم أن المعادلة باتت قديمة؟.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟