د. عبدالله الكمالي

باحث شرعي ـ الإمارات

يصعب جداً أن نتصور مسألة هروب الفتاة من أهلها ومجتمعها إلى بلد آخر، على الرغم من أنها كانت تعيش في رغد من العيش في بلدها ولم تقصر معها أسرتها في شيء، ولا يمكن أبداً أن ننظر إلى المسألة بسذاجة كبيرة فنظن أنها مجرد شدة في التعامل من أهل الفتاة وأقاربها، فولدت تلك الشدة ردة فعل غير منضبطة من الفتاة، فقررت الهروب إلى دولة أخرى، فهذه النظرة السطحية غير مقنعة على الإطلاق، ولا يمكن أن تغطى بها الحقائق الواضحة.

وبغض النظر عن أسباب هروب الفتيات العربيات وخلفياته، وهي حالات فردية لا يمكن اعتبارها ظاهرة، هناك جملة من الأسئلة التي تطرح، انطلاقاً من التوظيف العالمي الخاطئ للهروب، منها: ما الذي يجعل الجهات العليا في تلك البلدان تتعاطف مع الهاربات وتقدم لهن جميع أنواع الدعم بل ويتم استقبالهن في المطارات، على الرغم من وجود عدد كبير من النساء في بلادهم يعانين من اضطهاد وقهر وسوء معاملة؟ ثم لِم يتم الالتفات للهاربة فقط مع أن هناك عدداً من القضايا الأخرى التي تهم المرأة العربية؟، ولماذا تظهر الفتيات الهاربات في وسائل الإعلام العالمية وفي برامج مطولة ليذكرن همومهن ومعاناتهن ويهاجمن بلدانهن، وكلنا يعلم أن دقائق معدودة في القنوات الإخبارية العالمية قد تكلف آلاف الدولارات؟، فهل نتصور أنهم قدّموا الدعم الإعلامي للهاربات احتساباً للأجر وطلباً للثواب عند الله؟!.

من ناحية أخرى، هل نتصور أن قناة الجزيرة عندما تشجع الفتيات على الهروب من خلال مقطع أثيم قامت بذلك نصرة لقضايا النساء وحقوقهن؟! ألا يحق لنا أن نظن سوءاً في هذه القضية ونفكر في الأذرع التي تدعم الفتيات الهاربات وتسهل لهن التمرد على بلداننا؟.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟

تلك جملة من الأسئلة الملحة يبنى على إجاباتها مواقف يمكن اختصارها في القول: إن هذه القضية أكبر من مسألة هروب مراهقة من أهلها وتمردها عليهم، فهي قد تتخذ مدخلاً لإدارة هجمات منظمة على بلدان المنطقة، ووسائل للضغط عليها في ملفات شتى كحقوق المرأة والحريات وغيرها، وقد تدخل بعض الجماعات المتطرفة بمختلف أنواعها في جبهة واحدة موجهة ضد بعض الدول، فعدوك لا يفكر بالقيم والأخلاق والمبادئ عندما يوجه سهامه إليك، وفي بلدان الغرب آلاف النساء الهاربات يعشن ظروفاً صعبة للغاية لا يسأل عنهن أحد، لذا فإن احتفاء كبار المسؤولين ببعض الهاربات يثير ريبة كبيرة فوراء الموضوع ما وراءه.