د. عائشة الدرمكي

كاتبة وأستاذة جامعية ـ عُمَان

إن الاستثمار في الثقافة هو استثمار في التنمية البشرية، لأنه يعني إعداد الإنسان ليتمكن من إطلاق طاقاته الإنتاجية والابتكارية لتكون آلة التقدم الاقتصادي في ظل التنافس العالمي القائم على مكاسب السوق، وهذا يأخذنا في اتجاه آليات الاستثمار الثقافي ضمن مفهوم التنمية، ذلك لأن مقاييس التنمية اتسعت وشملت مجموعة من القدرات ما بين «الحرية السياسية والاقتصادية والاجتماعية والفرص المتاحة للفرد في أن يكون سليماً معافى ومعلماً ومنتجاً ومبدعاً يحترم ذاته وينعم بحقوق الإنسان» ـ بحسب سليمان العسكري في كتابه (تحديات الثقافة العربية).

لذا فإن مشروع إعادة صياغة الاستراتيجية الثقافية لمجلس التعاون لدول الخليج العربية الذي تبنته الأمانة العامة لمجلس التعاون لدول الخليج العربية، والذي عُقد في دولة الكويت بالتعاون مع المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب في الفترة 16ـ 18 أبريل الجاري، ينطلق من تلك المتغيرات الاقتصادية والتكنولوجية، وبالتالي الاجتماعية التي طرأت على دول المنطقة، والتي أثَّرت مباشرة في ثقافتها وهُويتها العامة.

ولعل أهم ما ركَّز عليه مشروع إعادة صياغة هذه الاستراتيجية، هو الإنسان المثقف بوصفه مبدعاً ومنتجاً قادراً على الوقوف أمام تلك المتغيرات، بهمة الواثق من التغيير ومواكبة مقتضيات التطور والتغير المتسارع، من خلال بناء مجموعة من العلاقات المتكاملة بين إبداعه وعناصر التنمية المتسارعة في المنطقة، ففي ظل العولمة وما تشهده الثقافة جرَّاء تأثير الاتصالات الرقمية الفائقة، وانتشار شبكات التواصل الاجتماعي، والتحول السبراني، والثورة الرقمية الرابعة وغيرها، أصبح الاهتمام بالمثقف هاجس الدول في العالم، لأنه القادر على الإسهام في التنويع من ناحية ودفع التنمية وتطوير مداخلها ورؤاها من ناحية أخرى.

وعلى الرغم من أن دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية تقوم اقتصادياً على النفط، إلاَّ أنه ومع انخفاض أسعاره، أصبح لزاماً عليها البحث في التنوع الاقتصادي، وهذا التنوع يتأسس على الثقافة بوصفها ركيزة أساسية لحضارتها، وهو أمر يقتضي العمل على الاستثمار الثقافي بشكل يجعل منها قدرة اقتصادية حقيقية، ذلك لأن الثقافة تشكل رافداً للتنمية.

وإذا ما أردنا أن تكون الاستراتيجية الثقافية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربية قادرة على مواجهة التغيرات الحالية، وقادرة على صناعة مثقف منفتح مبتكر، فإنه لا بد من أن تجعل من الاستثمار في الثقافة رؤية حقيقية من خلال رعاية المثقفين، وتهيئة الثقافة لتكون معتمدة على ذاتها، مستثمرة لقدراتها الخلاقة، من خلال رؤية واضحة متكاملة مع الركائز التنموية الأخرى التي تؤسس حضارة منطقة الخليج العربي.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟