د. محمد المعزوز

باحث في الأنثربولوجيا السياسية ـ المغرب

يدعو فوز نتنياهو على بيني جانتز إلى كثير من التساؤلات حول الانعكاس السياسي لهذه الانتخابات على مسار القضية الفلسطينية، خاصة أن نتنياهو لم يكن يُنظر إليه بعين الرضا من طرف اليمين الليبيرالي الإسرائيلي والأمريكي على حد سواء، ليس لأنه يجر وراءه ملفات فساد ثقيلة ولكن لأنه ــ حسب إحدى وثائق البرنامج الانتخابي للائتلاف المعارض (أزرق أبيض) - لم يعد قادراً على استيعاب التطورات الجيو ـ سياسية التي تقتضي رؤية تدبيرية مختلفة لخلق توازنات جديدة في المنطقة.

كما أنه لم يقدر أن يتعامل بإيجابية مع التحولات السياسية وتطلعات المجتمع في إسرائيل، وهو الموقف نفسه الذي عبّرت عنه الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مجال توتر بين لوبيات قوية في القرار الأمريكي وبين نتنياهو، لذلك كان هناك اتجاه قوي من داخل إسرائيل وأمريكا يساند جانتز للفوز في الانتخابات باعتباره حسب هؤلاء رجل المرحلة، وقادراً على تدبير تحديات المنطقة والصراع الإسرائيلي العربي والفلسطيني وفق الأجندة الجديدة للوبي اليمين الليبيرالي في إسرائيل وأمريكا.

وخلافاً لترامب الذي كان مؤيداً لنتنياهو بنقل السفارة الأمريكية إلى القدس واحتلاله لمرتفعات الجولان والإعلان عن نية تثبيت سيطرته على الضفة الغربية، فإن خطته لإرباك خصومه السياسيين في الكونغرس كانت لعبة خلط الأوراق أمام مشروع جانتز في تحقيق (الاستراتيجية المركزية) المتمثلة في حل الدولتين اليهودية والفلسطينية، والتهديد بالانفتاح على الأجنحة المتطرفة لتلجيم مطلب الديمقراطية ومحاصرة الحريات الفردية للانتصار إلى مبادئ الديانة اليهودية.

غير أن مواجهة جانتز لنتنياهو تمت بشعبوية غير مقنعة وملتبسة ليست كشعبوية نتنياهو، التي كانت منسجمة مع أهدافها ومضمونها، لأن البرنامج الانتخابي لجانتز قام في شكله ومضمونه على تناقضات فظيعة جعلت خطابه وحملاته الانتخابية كلاماً غير منسجم وعاجزاً عن الإقناع، إذ في الوقت الذي أكد فيه على فكرة السلام مع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة وإنشائه لدولة صهيونية فلسطينية، مع الحفاظ على وادي الأردن وإبقاء القدس موحدة، نجده يتناقض بافتتاح حملته الانتخابية بصور لغزة محطمة متباهياً بإبلائه في تدميرها أثناء قيادته للحروب ضدها.

إن هذه الصورة مرفقة بتصريح إبقائه على المستوطنات والتحكم الأمني في نهر الأردن، أفقدته المصداقية السياسية داخل إسرائيل وخارجها لأن تناقضه المزدوج جعل منه شخصية سياسية مجروحاً في ذمتها لدى الرأي العام الإسرائيلي، ومنحت نتنياهو امتياز الثقة من طرف الإسرائيليين، نظراً لانسجام أفعاله مع خطاباته، من هنا كانت شعبوية نتنياهو مبنية على الوضوح والعداء المباشر والمعلن للقضية الفلسطينية.

المرتقب أن عودة نتنياهو وانهزام الائتلاف الليبيرالي الإسرائيلي سيسرّعان وتيرة التنافس بين التيارات على السيطرة الأمنية والسياسية والعسكرية على الأراضي الفلسطينية كلها، لكن من أجل تحقيق هدف السيطرة ستتحالف هذه التيارات أخيراً، لأن الانتخابات في العرف الإسرائيلي وسيلة وليست غاية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟