مارك لافيرني

باحث متخصص في شؤون الشرق الأوسط ـ فرنسا

يعتبر الفوز الساحق وغير المنتظر الذي حققه فلاديمير زيلينسكي في الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، دليلاً جديداً على رفض الشعوب الأوروبية للسياسات القديمة التي يديرها إما المحترفون العاجزون، أو المصابون بلوثة الفساد، أو بكليهما، وهم يفضلون الآن الاعتماد على وجوه جديدة تبدو أكثر التزاماً بفضائل الأمانة والنزاهة وحسن النوايا حتى لو كانت تعوزها الخبرة والكفاءة، مثلما هي حال «حركة النجوم الخمسة» الشعبوية في إيطاليا، ولقد هبّت الغالبية العظمى من الأوكرانيين للتعبير عن تأييدها لمقدّم البرامج التلفزيونية «زيلينسكي» ولتعلن له عن إعجابها الشديد بشبابه المتدفق وإخلاصه لوطنه.

وهذا الرفض الشعبي لرجالات وشخوص الحرس القديم ليس ظاهرة معزولة، بل يشهد الآن مواسم انتشاره عبر العالم أجمع. وغالباً ما يترافق مع رفض النظام الديمقراطي التمثيلي للشعب بما يتضمنه من دساتير وبرلمانات ومجالس محلية بدعوى أن كل هذه الأدوات والآليات لا تشكل ديموقراطية تشاركية واضحة الأطر والأهداف على النحو الكافي.

وهذه الحركات ذات القواعد الشعبية العريضة، ومنها «حركة بوديموس» في إسبانيا و«سيريزا» في اليونان و«النجوم الخمسة» في إيطاليا، سوف تجد طريقها إلى البرلمانات الوطنية ثم إلى السلطة بالتحالف مع الحركات والأحزاب القومية وحتى مع المنظمات العنصرية في بعض الحالات بالرغم من أن أطروحاتها تتعارض مع الأنظمة المؤسساتية القديمة وتتناقض مع الأسس التي تقوم عليها الديمقراطية ذاتها.

وهذه الهبّة الشعبوية العفوية، والتي سبق أن أدت إلى انتخاب دونالد ترامب ضد رغبات حزبه ذاته في الولايات المتحدة، أو ذلك الاندلاع المفاجئ لحركة «السترات الصفراء» في فرنسا، لا شك أنها مرتبطة أيضاً بالوسائل الجديدة للتعبير خصوصاً منها: مواقع التواصل الاجتماعي والتي ألغت أدوار الوسطاء وسمحت بالتواصل المباشر لتناقل المواقف والمشاعر بدلاً من الخوض في التفاسير والتحاليل المطوّلة، وبالتبسيط بدلاً من التعقيد، وبالتأثير الفوري بدلاً من التأثير بعيد المدى.

وأصبحت هذه الاستراتيجيات الجديدة، تنمو وتزدهر بحرية مطلقة بعيداً عن الأطر والتشريعات المحلية والوطنية، وهي تنتشر بسرعة في الأوساط الصناعية والمالية في عالمنا المعولم، وباتت تساهم في تشكيل عالم ليبرالي حَداثي جديد تختفي فيه وتتلاشى كل الأسس التي تقوم عليها الدول والأمم.

ومع ذلك، يكون في وسعنا أن نقع الآن على بعض المفارقات التي تتناقض مع هذه الحقائق، ففي العالم العربي، اندلعت انتفاضتان شعبيتان في الجزائر والسودان تطالبان بانتخابات حرّة وشفافة وبإشراف حكومة نزيهة ومتوازنة تحتكم إلى القانون والدستور، ولعل ما هو أغرب من كل هذا، هو أن نرى بعض القادة من ذوي الخلفيات العسكرية، والذين ارتقوا إلى قمة السلطة بالقوة، وهم يلجؤون إلى شرعنة سلطتهم من أجل تأمين هامش من الغطاء الشرعي، وضمان تحقيق طموحاتهم في الحكم، ويسعى آخرون لاقتناص السلطة باستخدام القوة المطلقة أولاً، وبعد تحقيق النصر الذي ينشدونه، يُظهرون ميلاً قوياً للاستفادة من النعم، التي يمكن أن تحققها لهم الانتخابات والاستفتاءات الشعبية.

أخبار ذات صلة

جمود أم انكماش كلي؟.. العالم يدفع ثمن الركود القصير أثناء الجائحة
هل أخطأ جيروم باول؟